تحت الضوء

تحت الضوء
د. هاشم غرايبه

في الأزمة القائمة حاليا بين ارمينيا وأذربيجان، قد أفهم سر وقوف أغلب اليساريين مع أرمينيا، كون أغلب المنتمين لهذا التيار دافعهم الحقيقي إما التعصب الديني، أو العداء للإسلام، لكن المحير هو موقف إيران ومؤيديها لدينا، من الوقوف مع الأرمن المتعصبين دينيا ضد الأذريين المسلمين مع أنهم شيعة وليسوا سُنة!..
في محاولة لحل هذه الأحجية المحيرة، سألقي لمحة تاريخية سريعة على جذور هذا الصراع، والمتعلق بتأسيس أرمينيا.
لقد دخل الإسلام آسيا بسرعة قياسية عبر البوابة الإيرانية بعد سقوط الإمبراطورية الفارسية، فانتشر في عهد الفاروق بسرعة تفوق سرعة خيول الفتح، وفي أغلب مناطق آسيا الوسطى من غربها في آسيا الصغرى الى القوقاز حتى شرقها في تركستان الشرقية (في وسط الصين حاليا).
بالطبع كانت هنالك قبائل متفرقة من القومية الأرمنية تدين بالنصرانية ظلت رافضة للدين الجديد، لكن المحيط المسلم تقبلهم كمواطنين في ديار الإسلام.
روسيا القيصرية، كما أباطرة دول أوروبا، كانوا يخشون وصول الإسلام إليهم، لذلك ظلت حروبها مستعرة مع أطراف الدولة الإسلامية المحاذية فاحتلوا دول القوقاز وحاولوا احتلال تركيا كثيرا وفشلوا.
ولضمان سيطرتها على منطقة بحر قزوين المسلمة أوجدت حاجزا ديموغرافيا من تلك القبائل المعادية للمسلمين، يفصل الأتراك عن المسلمين في وسط آسيا، فجمعت قبائل الأرمن المتفرقة وأقامت لهم دولة بين اذربيجان وتركيا، سمتها أرمينيا، تماما مثلما فعل الأوروبيون فيما بعد، بتجميع اليهود في فلسطين، مؤسسين كيانا يفصل المسلمين شرق الوطن العربي عن غربه.
وفعلا قامت أرمينيا بدور شبيه بما يقوم به الآن الكيان اللقيط، وظلت عونا للروس كلما شنوا حربا على الدولة العثمانية.
لم يتغير منهج روسيا الشيوعية عن تلك القيصرية في معاداة الإسلام، فقام ستالين بدعم هجرة جماعات أرمنية الى منطقة “كاراباخ” في قلب أذربيجان، وساعدت قوات روسية في ذبح السكان المسلمين في المنطقة ومن نجوا ويقدرون بمئات الآلاف فرّوا شرقا.
هكذا أصبح أغلب سكان الإقليم من الأرمن، وولاءهم لأرمينيا المقطوعة عنهم جغرافيا وليس للوطن (أذربيجان).
عندما انهار الإتحاد السوفياتي، طالبت كل البلاد المنضوية تحته الروس بالإستقلال، مما يدل على أن الإتحاد لم يكن باختيارها بل مفروضا عليها، المدهش أن روسيا رضخت لكل طلبات الإستقلال، لكنها رفضت استقلال الدول الإسلامية الست، وأرسلت قواتها لقمع المطالبين بحريتهم، وأيد الغرب ذلك، بل سكت عن قيام القوات الروسية عام 1992 بدعم عسكري لأرمينيا فاحتلت المناطق الأذرية الواقعة بينها وبين الإقليم لكي يتصل بأرضي أرمينيا جغرافيا، والى اليوم ترفض الإنسحاب.
الحقيقة أنه ليس في الأمر ما يدهش إلا أولئك الذين تغطي عيونهم غشاوة العلمانية الخادعة، فالعالم كله ليس معسكرات شرق وغرب ولا عالم أول وثاني، انه فسطاطان لاغير، أحدهما يجتمع فيه كل أهل الباطل على تصارعهم، وبسبب تضارب مصالحهم وأطماعهم قد يختلفون ويتقاتلون، لكنهم أمام فسطاط أهل الحق (أتباع منهج الله =الإسلام) يتوحدون ويتوافقون بسهولة.
الدليل على ذلك واقع معاش وليس تخيلات مؤامرة، فعند مهاجمة ديار المسلمين سواء في دعم الكيان اللقيط أو احتلال افغانستان أو العراق أو سوريا أوليبيا، وجدناهم جميعا صفا واحدا، حتى الدول المحظور عليها الحرب خارج حدودها مثل ألمانيا واليابان وإيطاليا، نالت إذنا خاصا وشاركت بقوات ومعدات في هذه الحرب (المقدسة).
هكذا نفهم الصراع في العالم، ومهما رأينا من صراعات بين الظالمين فهي ثانوية، سببها الأطماع، وتنازعهم على الغنائم المتحققة من سلب الضعفاء، ونهب ثروات الأرض التي أوجدها الخالق لتكفي كل خلقه، إلا أنهم يتوافقون ويتحالفون عندما تكون المواجهة مع فسطاط الحق.
تعقيد المسألة يكمن في أن الأنظمة الحاكمة للجمهوريات الإسلامية التي فرضتها روسيا هي بعكس توجهات الشعوب، علمانية معادية للإسلام، لذا فهي معتمدة أمريكيا، لذلك فعلاقات الأنظمة العربية معها طيبة، ورغم ذلك فلأن الغرب متعاطف دينيا مع الأرمن، يلتزم العربان بالملاحة وفق الرياح الأمريكية.
إيرانيا التعقيد أكثر، ورغم أن الأذريين أغلبهم شيعة، كون الدولة الصفوية نشأت في أذربيجان، وحتى (خامئني) من أصول أذرية، إلا أن الصراع حاليا احتكاري، بدليل أن المعارك في منطقة أنبوب غاز قزوين الذي يزود أوروبا ويمر في اذربيجان إلى تركيا عبر جورجيا، بعيدا عن إقليم “كاراباخ”، وهذا ينافس الغاز الروسي الى أوروبا عبر البحر الأسود والذي يمر عبر تركيا أيضا، وربما كان إعلان تركيا اكتشاف حقول غاز في البحر الأسود هو ما أقلق روسيا، فسارعت الى استغلال صنيعتها القديمة (أرمينيا) واستثارة محراك الشر “إقليم كاراباخ” من أجل الإيقاع بتركيا.. من هنا ربما جاء الحماس الإيراني.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى