تحت الضوء

تحت الضوء
د. هاشم غرايبه

تصاعدت حدة الإنتقادات لمنح جائزة نوبل للآداب هذا العام للأديب النمساوي “هاندكه” المعروف بتطرفه اليميني وتأييده لجرائم الصرب ضد المسلمين، لتؤكد الصورة السائدة في أن هنالك أصابع لحكومة العالم الخفية في الأمر، وأن هذه الجائزة تستخدم لدعم الصهيونية.
لذلك وبعد تكرار حالات فوز أناس لا يعتبروا هم الأفضل في مجال التنافس الحقيقي، بل ما يجمعهم كقاسم مشترك هو تأييدهم للكيان اللقيط الذي يحتل فلسطين، جعل الكثير من الأصوات النزيهة ترفع الصوت منددة بهذا الإستهتار بالبشر والقيم العليا، وأصبحت العبارة القائلة: “لم يعد هنالك مصداقية لجوائز نوبل”، لم يعد هذا القول مجرد أصوات هامشية، يُتهم قائلوها بتخيل المؤامرة، فقد أصبحت رأيا عاما وانطباعا أثبتته الوقائع على مدى كل السنين الماضية.
المعروف أن جائزة نوبل أوصى بها السويدي “الفرد نوبل” مخترع الديناميت، بهدف تشجيع العلماء والباحثين والأدباء وذلك تعبيرا عن إحساسه بالذنب الذي ارتكبه بحق البشرية، بعد استعمل اختراعه في القتل والتدمير.
أوصى نوبل برصد مبلغ من ثروته يوزع كست جوائز سنوية لأهم المبدعين في كل عام في مجالات الفيزياء، الكيمياء، الأدب، السلام، والطب أو علم وظائف الأعضاء، وقد منحت لأول مرة في عام 1901 ، ثم أضاف لها البنك المركزي السويدي في عام 1968 جائزة سابعة في العلوم الإقتصادية.
تقدم الجوائز للفائزين في حفل خاص كل عام في “ستوكهولم” يقدمها ملك السويد في العاشر من كانون أول، وهو ذكرى وفاة “نوبل”، فيما تقدم جائزة نوبل للسلام في أوسلو، والجائزة عبارة عن شهادة وميدالية ذهبية ومبلغا يزيد عن مليون دولار أو ينقص بحسب قيمة العملة السويدية.
لو استعرضنا أسماء الفائزين بجوائز نوبل بكل أنواعها خلال مائة عام، واخترنا الأميريكيون من بين هؤلاء، كون الولايات المتحدة تنال دائما حصة الأسد منها وتليها أوروبا الغربية، فيما تنال باقي القارات مجتمعة مابين 5 – 10 %، للاحظنا حتى بين الأميريكيين أن 72 % كانت من نصيب البروتستانت وبالذات من أتباع الصهيونية المسيحية أو ما يسمون المحافظون الجدد، و27 % من نصيب يهود ، فيما ال 3 % الباقون يتقاسمهم الكاثوليك والملحدين واللادينيين والمسلمين والهندوس، ..أليس في الأمر ما يريب خاصة مع وجود انطباع سائد أن معظم العلماء هم من فئة الملحدين أو اللاأدريين!؟.
قد لا يمكننا الحكم على مدى استحقاق الفائزين في الجوائز في مجالات العلوم، فالتفوق العلمي لا يمكن لغير المتخصصين التحقق منه ، لكن في مجالي الأدب والسلام فالأمر متاح، إذ أن المؤهل يكون عمله ظاهرا لكل متابع.
ونظرة خاطفة على توزيع جوائز نوبل للسلام تبين تماما حجم التحيز البائن، ففي إحصائية للفترة من 1901 – 2000 ، منحت هذه الجائزة الى 427 شخصا مسيحيا، بنسبة 65.4 %، فيما بلغ اليهود الحاصلين على جائزة نوبل للسلام 138 أي بنسبة 21.1 %، أما اللادينيون فنالوا 10.5 %، وحصة المسلمين 0.8 % فقط .
قد لا نستطيع الإعتراض على انخفاض نسبة المسلمين في العلوم، فليس لدينا حجج في هذا الشأن، لكن ما هي الحجة لانخاض نسبة من يستحقون منهم جائزة السلام التي يفترض أنها تعطى للذين يسعون الى منع الحروب وإحلال التعاون بين الشعوب، وهذه الحروب جميعها تعود الى الأطماع الإستعمارية، ولا توجد دولة مسلمة استعمارية واحدة، فجميع الحروب الإستعمارية تشنها أمريكا أو أوروبا، لذلك يفترض أن مناهضي الإستعمار هم أبطال السلام، فلماذا كان من بين هؤلاء المسلمين والبوذيين والهندوس النسبة الأقل فيما هم مجتمعين يمثلون أكثر من نصف سكان العالم؟.
وينطبق الحال في جوائز الأدب، فامتلاك الموهبة الأدبية لا يقتصر على امة بعينها، لكن الملاحظ أن من يمنحون الجائزة يشتركون في صفة واحدة..أنهم إما ممالئون أو متحيزون للظلم الذي حصل باحتلال الأوروبيين اليهود لفلسطين وطرد سكانها العرب منها.
لذلك قاطع كثير من الشخصيات الحرة والدول ذات الروح الإسلامية كتركيا وبعض دول البلقان حفل توزيع الجوائز، وأعلنوا عدم اعترافهم بقيمتها المعنوية، وسنشاهد في المستقبل وكلما نمت روح التحرر من التبعية للصهيونية، من الدول التي لا يحكمها الطغاة، التوجه ذاته من أجل الوصول الى رأي عالمي أوسع بإسقاط القيمة المعنوية لهذه الجائزة ذات النكهة الصهيونية.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى