#تأملات_قرآنية

#تأملات_قرآنية

د. #هاشم_غرايبه

يقول تعالى في الآيات 13-18 من سورة النجم: “وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى . عِندَ سِدْرَةِ الْمُنتَهَى . عِندَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى . إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى. مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى . لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى”.
في هذه الآيات يؤكد رب العزة حقيقة حدوث المعراج، مثلما أكد حدوث الإسراء في سورة الإسراء، ولعل الحكمة من الفصل بين الواقعتين (والله أعلم) أن الحكمة من كل منهما مختلفة.
فقد جاء الإسراء الى بيت المقدس، والمعراج الى السموات العلا من هناك، مع أن الله قادر على أن يعرج به من مكة، للربط بين أول مسجدين بنيا لعبادة الله في الأرض، وبين البقعتين اللتين بارك الله فيهما بإنزال رسالاته من بعد نوح فيهما، إضافة الى أن الله يعلم أنه سيأتي زمان يحارَب فيه المسلمون عليهما، فيستولون على الأقصى بالحرب، وعلى المسجد الحرام بالتطبيع، فأراد ربط العقيدة بهما، حتى لا يُقدِم أحد من المسلمين عن التخلي عن أي منهما.
وإن لم يفطن المفسرون الأوائل لذلك، فلأنهم لم يكونوا يعتقدون أن الأقصى جعله الله للمسلمين، فلم يكن أحد من قريش قد وطأ أرضه قبلا، إذ كان منذ قرون تحت سيطرة الإغريق ثم الرومان، وبعد فتح بلاد الشام، لم يكن في تصورهم أن المغضوب عليهم من أهل الكتاب، سيمكنهم انتزاعه من المسلمين.
أما المعراج فجاء للتسرية عن رسول الله بعد ما أصابه من عنت خاصة بعد ما لاقاه من أهل الطائف، وضاقت عليه الأرض بعد عودته الى مكة، إذ خشي على نفسه وساورته المخاوف أن الله غير راضٍ عنه، فما دخلها الا أن أجاره المطعم بن عدي، فحماه من قريش.
هنالك أراد الله تعالى أن يبين له أنه إن ضاقت به الأرض فأبواب السماوات مفتحة له، فكان ذلك الإكرام الذي لم ينله بشر، وهو رؤيته لآيات ربه الكبرى، لتثبيت قلبه، وطمأنته أنه على الصراط المستقيم.
يبين الله تعالى لنا آيتين من هذه الآيات الكبرى أراهما لنبيه الكريم وهما سدرة المنتهى وجنة المأوى، والملاحظة الهامة، أنه لم يرد حديث شريف في وصفهما أو ذكر لهما، والحديث الوحيد عنها ضعيف.
نستنتج من ذلك أن الله تعالى أراد تثبيت قلب نبيه الكريم، ولم يرد له نقل ما رآه، لذلك علينا أن ننظر بشك الى العشرات من الأحاديث التي تحدثت عن أمور رآها النبي صلى الله عليه وسلم في رحلته، وخاصة مشاهد العذاب التي يلاقيها العصاة في جهنم، سيما وأنه تعالى أخبرنا أن الجنة وجهنم لا تفتح أبوابهما إلا بعد الحساب.
الأمر الهام الآخر هو في خطأ الاعتقاد أن جبريل عليه السلام كان مرافقا ملازما للنبي صلى الله عليه وسلم، فهذه الآيات تؤكد أنه رآه في هيئته التي خلق عليها مرتين، الأولى كانت في أول تنزيل للقرآن: “ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى وَهُوَ بِالأُفُقِ الأَعْلَى ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى”، والثانية عند سدرة المنتهى.
بالطبع فقد كان تنزيل الآيات القرآنية وحيا، يجدها النبي الكريم ملقاة في روعه لفظا ومعنى، وليس كما يتصور البعض تسليما واستلام، بدليل نزول كثير منها بحضور آخرين، لكنهم لم يلاحظوا شيئا، لكن من الممكن حضور جبريل بهيئة بشرية أحيانا، كما في حديث الاسلام والإيمان والإحسان.
هنالك مسألة تشكيك البعض في حدوث المعراج ماديا، فبعد أن عجزوا عن التشكيك بحدوث الإسراء، بعد أقدم لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم الأدلة المادية، لجأوا الى التشكيك بالمعراج، كونه لا يمكن تقديم دليل مادي عليه، فكل ما حدث فيه خارق للسنن والقوانين، لكن المنطق يفترض بأن من صدق في الإسراء الخارق أيضا للسنن، سيصدق في الأخرى.
تبقى مسألة هامة وهي أن المسجد الأقصى قديم موجود منذ أنزل الله الدين، وقصة هيكل سليمان خرافة تلمودية، وضعها الكهنة من نسل من عبدوا العجل من دون الله، فسليمان عليه السلام كان مسلما يصلي، وكلمة الهيكل مسمى وثني، فلا يمكن أن يبني معبدا وثنيا، بل هو ربما رمم المسجد القديم ذاته ووسعه، والذي بقي عند الله بمسماه، بدليل إسرائه بسيد الأنبياء إليه.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى