بَعْرَة و بَعْرَة!!! / د . ناصر نايف البزور

بَعْرَة و بَعْرَة!!!

روى الأصمعي و هو من نوابغ العرب و بلغائهم قصَّته مع أعرابيٍ التقاه في دعوة غداءٍ “عزومة مطنطنة”؛ و كان الأعرابي يأكل بشراهةٍ و “فجعنة” منقطعة النظير؛ و يبدو أنّ الغداء كان منسفاً بلدياً “بِشَروِل” فلم يكن اللحم الروماني و المجمّد قد غزا بيوت العرب حينئذ… 🙂
غضِبَ الأصمعي من المشهد المقرف حيث كانت “المليحية” تسيل من طرفي كوع الأعرابي و بوعه؛ و كانت لحيته “ملغمطة” و “تُشَرشِر” برغلاً و شوربةً…فلم يكن العرب قد عرفوا اختراع الرز “تايغر” و لا “بسمتي” بعد 🙁 فأراد الأصمعي بسرعة بديهته و سلاطة لسانه أن يُهين ذلك الأعرابي المسكين و يزجره فقال:
كأنّك أثْلَةٌ فِي أرضِ هَشّ … أتاها وابلٌ مِن بعدِ رشّ… 🙂
فامتعض الأعرابي دون أن يوقف تجهيز قنابل المنسف التي كان “يُدربلها” و “يُدحبرها” و قام بقصف جبهة الأصمعي على الفور إذ قال:
كأنك بَعْرَة فِي إسْت كبشٍ… مُدَلاَّة وذاك الكبشُ يمشي… 🙁
ذلكم هو الشاهد الأول و تلكم هي البعرة الآولى في حديثنا اليوم؛ و البعرة لِمَن كان يجهلها هي روث بعض الأنعام كالكبش و الوعل و التيس (أكرمكم الله)؛ و هي تكون على شكل كُرات سوداء صغيرة على عكس كرات المنسف… و البعرة في اللغات و الثقافات المختلفة تدلّ على خِسَّة الشيء، و وضاعته، و قذارته، و حقارته و انعدام قيمته… 🙁
أمّا الشاهد الثاني و البعرة الأخرى في موضوعنا فهي مشتقّة في أصلها اللغوي الدلالي مجازاً من معنى البعرة الآولى في شكلها و حجمها مع التضاد الكامل في وظيفتها و أهمّيتها و قيمتها؛ فهي عالية الجودة و رفيعة المقام و مرغوبة أينما رحَلَت أو حلّت… 🙂
و هذه البعرة لِمن لا يعرف لعبة “المازيات” أو “القلول” هي عبارة عن كرة زجاجية (“مازي”) صغيرة الحجم و مميّزة الألوان كُنّا و نحن صغار نعتقد يقيناً أنّها لديها قدرة عالية و خارقة على إصابة قواعد “مازيات” الخصم بدقّة متناهية؛ فكنّا نَصِفها فنقول عنها: البعرة “عيّينة”… أو “مَقّيعة” أي تمقع الهدف مقعاً فتفقعه فقعاً؛ و هذا دليل على سرعة الإصابة و دقّتها و فاعليتها…. 🙂
كذلك فإنّ صغر و ضآلة حجم هذه البعرة الجميلة كان يمنع إصابتها من قِبَل مَدافع جيوش الخصوم و مازياتهم… فهي فتّاكة في وضع الهجوم و آمنة في وضع الدفاع 🙂 و لذلك فقد كانت البعرة الواحدة تُباع ب “تعريفة” كاملة عندما كانت دزّينة المازيات الأخرى تُباع بتعريفة… يعني “مش كلّ الزُلم زُلم”… و رُبَّ رجُلٍ بألف رجل 🙂
و بما أنّ الشيء بالشيء يُذكر؛ و بما أنّنا مقبلون على أعراس الانتخابات البلدية و اللامركزية فستكون العزايم و المناسف في ديارنا “حبطرش” و سوف يجد الناخبون أنفسهم يتناولون اللحم و الكنافة بكميّات تفوق ما تناوله الواحد منهم في عامٍ كاملٍ و ذلك في عشرات المقرّات الانتخابية “المحرزة” لتقديم الدعم و المؤازرة للمرشّحين… 🙁
عزيزي الناخب… كُن مِن الكِرام الذين لا يُهيِنون أنفسهم بتناول الطعام على موائد اللئام فتكون أضحوكةً كذلك الأعرابي أو “ملطشةً” كالبعرة التي شبّه بها الأعرابي الأصمعي… فتلك بعرة حقيرة؛ مكانها في نهاية المطاف يكون في بطون المزابل و القفار؛ و لن يحترمك أيُّ مرشّح بعد انتهاء الانتخابات سواءً فاز أو خسِر…. 🙁
عزيزي الناخب… صوتك أمانة و صوتك ثمين كالبعرة الثانية المستخدمة في لعبة المازيات؛ يطلبها و يخطب ودَّها جميع المرشّحين بأبهظ الأثمان… فلا تمنحها إلاّ للمرشّح الذي يستحقّها بحقّها لا بثمنها…
عزيزي الناخب… أعطِ صوتك للمرشّح “البعرة” العيّين و المَقّيع و الصَيّيب الذي يستطيع تحقيق أهداف و مصلحة البلد ببراعة و دقّة و مهنية و نزاهة… لا للمرشّح الهيلمجي البيّيع (الذي يبيع الشعارات الكاذبة)…. 🙁
عزيزي الناخب… أعطِ صوتك للمرشّح المؤهّل و لو كان هو و عشيرته بحجم البعرة الصغيرة؛ فعطاؤه قد يكون بحجم بعض الكواكب… 🙁 فتَخيَّر الأصلح بين بعرةٍ و بعرة و لا تجعل دافعك للعشيرة نعرة… 🙁
عزيزي الناخب… اختر لنفسك أيّ البعرتين تكون و لأيِّ البعرتين تمنحك صوتك بعيداً عن اللحم البلدي و الجميد البلدي و رز الصنوايت … 🙂
عزيزي الناخب… كُن كذلك الأعرابي في نباهته و فصاحته و لا تُشابهه في وذافته و لا في شراهته…. 🙂
فلا تكن عزيزي الناخب رخيصاً ساذجاً كبعرة في إست كبشٍ و لا كلطعةٍ في إست جحشٍ…. بل فليكن صوتك مُوّجهاً نحو كبد الصواب و روح الأمانة و مصلحة الوطن … و ليكُن في دقّته كرُمح وحشي…. 🙁 و الله أعلمُ و أحكم

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى