بين الأمس واليوم / محمد حسني نغوي

بين الأمس واليوم
كثيراً ما سمعنا لتصريحات من مسؤولين ايرانيين، يتطاولون بها على بعض الدول العربية، ويتدخلون في شؤونها الداخلية، ويسيئون إلى تاريخها، وأحياناً حتى يشككون بحقها في الوجود، ووصل الأمر ببعض المسؤولين الايرانيين إلى أن يرعوا فعاليات ومناسبات مخصصة لذم الأمة العربية، والحط من قيمة العرق العربي، وإنكار أية مساهمة للعرب في الحضارة البشرية، كما فعل الشاعر الفارسي مصطفى بادكوبه، الذي ألقى قصيدة مطولة بحضور مسؤولين رسميين ايرانيين، سب وحط وذم فيها من قيمة العرب. وكان مما قاله فيها (يارب خذني إلى أسفل السافلين شريطة أن لا أجد عربياً هناك) وكذلك قال (إن كلام غاندي وأشعار هوغو أشرف من مزاعم ما جاء في القرآن..!! أقسم بك يا الهي يا رب الحب أن تنقذ بلاد فارس من البلاء العربي).
لقد كان أبناء الأمة العربية عندما يسمعون لكل هذا، كانوا يشعرون بالغضب والاحتقان، وبالعجز عن فعل أي شيء للرد على ايران، وكان هذا الغضب والاحتقان والشعور بالعجز يتحول بإتجاه دول عربية كبيرة بعينها، لأننا نعلم أن تلك الدول العربية لو استغلت قدراتها المادية والبشرية ومكانتها الدينية، لاستطاعت أن تلجم ايران وتضع حداً لغرورها وأطماعها، وأخص بالذكر كل من السعودية ومصر، فكلا هاتان الدولتان لهما من مقومات القوة والقدرة، أضعاف ما لدى إيران، سواء من حيث الموقع الاستراتيجي والقدرة البشرية، والثروات المادية والمكانة الدينية، والخبرات العلمية والقدرات الاقتصادية والاحترام الدولي، لأجل كل هذا كان أبناء الأمة يوجهون لهاتان الدولتان غضبهم وحنقهم، وكنا نسمع عبارات تردد مثل (بنستاهل كل اللي بصير فينا)، واليوم بعد ان تحركت السعودية أخيراً، وستتحرك مصر قريباً إن شاء الله، وأدركت ما يمكنها أن تفعله من تأثير اقليمي ودولي كبير، عربي واسلامي، وأعادت الروح إلى جسد الأمة العربية والمعنوية إلى وجدانها الذي أنهكته التدخلات الايرانية، فقطعت يد إيران عن مملكة البحرين الشقيقة، وأفشلت مخططها في اليمن الذي كان سعيداً قبل عودة الحوثي من قُم، وتقف مستعدة للتدخل في سوريا، لا بل نقلت المواجهة إلى عقر دار ايران نفسها، بدعمها العرب الاحوازيون وتبني مطالبهم نحو الاستقلال والتخلص من القمع الايراني الذي يتعرضون له، هم وغيرهم من القوميات التي يحكمها الفرس من أذربيجان وبلوش وأكراد وتركمان ولور وقشقاي وغيرهم، بعد كل هذا أصبحنا نسمع من البعض، أقول البعض، التذمر والغمز واللمز تجاه السعودية، وانا بصراحة لا ألومهم، لأن من اعتاد على اعتبار الغريب سيداً له، ينحني أمامه ويطيعه ويبرر أفعاله، من الصعب عليه أن يتقبل بسهولة أن يرفع هامته ويعلي من رأسه وأن يعترف بوجود قوة عربية قادرة وقوية، أما غالبية أبناء الأمة، أقول غالبيتهم، فإنهم رأوا في صحوة السعودية، وإن جاءت متأخرة، الأمل والرجاء في انتشال الأمة من الحضيض، الذي أوصلها إليه الغرور والصلف الايراني ومعه العنجهية الصهيونية، وكأن كلا الطرفان الإيراني والصهيوني يتبادلان الادوار فيما بينهما لاذلال الأمة، ونتيجة لهذه الصحوة السعودية، بدأنا نشاهد الاصطفافات، وبدأ اللون الرمادي يختفي تدريجياً ليحل محله أحد لونين، إما أبيض لمن هم أبناء الأمة العربية الحريصين على مصالحها، وإما أسود لمن هم أعداء الأمة العربية ولو تحدثوا بلغتها، وأصبحنا نرى تبادل رسائل الغزل بين من ادعوا بالأمس أنهم أعداء لبعضهم، كما فعل حسن نصرالله عندما برأ اسرائيل من حرب تموز 2006 محملاً السعودية مسؤولية الحرب!! على الرغم من أن القاصي والداني واللبنانيين أنفسهم يعلمون، بأن من أعاد بناء وترميم لبنان الذي دمرته مغامرات حزب الله حينها، هي السعودية وشقيقاتها الخليجيات.
إن السعودية اليوم ليست السعودية الأمس، كانت بالأمس القريب دولة تتصف بأنها محافظة ومهادنة ومسايرة وتسعى إلى رضى الجميع، وهذه كلها من شيم الكرام، حتى أن الملك فهد “رحمه الله” سنة 1984، رفض ان يقوم الاعلام باستغلال اعتراض واسقاط المقاتلات السعودية لطائرات حربية ايرانية حاولت اختراق اجوائها، حفاظاً على صلة الجوار. أما السعودية اليوم فقد فرضت عليها الأحداث الاقليمة المتوالية، والتي وصل خطرها إلى حدود المملكة نفسها، أن تتحرك وأن تأخذ المبادرة وأن تفرض صوتها وسطوتها، دفاعاً عن شعبها وارضها ومقدسات المسلمين، لتعيد بعض التوازن إلى المنطقة العربية بعد أن ظن أعدائها بأن شعوبها قد ماتت، وأنه لم يبقى سوى أن يتقاسموها. وأستطاعت خلال فترة وجيزة أن تعيد إيران ومن والاها إلى حجمهم الحقيقي الذي يستحقونه.
لا أدري كيف يمكن لإنسان يجري في عروقه دم عربي، أن ينتقد تدخل السعودية ودرع الجزيرة في البحرين، أو أن يعارض تدخلها ضد الحوثي في اليمن، هل كان هؤلاء ينتظرون أن تصبح البحرين محافظ ايرانية كما عبر عن ذلك بعض المسوؤلين الايرانيين؟ أو أن تصبح اليمن ولاية إيرانية في خاصرة جزيرة العرب كما تمنى بعض الساسة الايرانيون؟ كيف يمكن أن يصدق من له ذرة من العقل، بأن الطريق لتحرير فلسطين تمر عبر احتلال إيران لأربع عواصم عربية، كما صرح مدير المخابرات الايراني السابق؟

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

‫2 تعليقات

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى