ميلاد النبِيَيْن / د .خالد غرايبة

ميلاد النبِيَيْن
تذكرني مواسم الاعياد بعدد من المشاهد التي لا زالت محفورة في ذاكرتي منذ الطفولة مثل مشهد عمل الكعك العيد واقراص العيد وشراء ملابس العيد في أعيادنا ومشاهد شجرة عيد الميلاد وبابا نويل في أعياد الميلاد المسيحة والتي كلها تمثل جزءا من نفسي ومن ذاكرتي والتي لا تقدر بثمن.

لكن الأهمَّ من ذلك بالنسبة لي فهو مشهد ذلك الرجل ” أبو نادر” و الذي كان يأتي الى بيت جدي للمعايدة في عيدي الفطر والأضحى كل سنة. رجل فارع الطول، بهي المنظر، يلبس “المزنوك” والشماغ الأبيض والعقال. وكان يسبق هندامه أدب جم وصوت دافئ وابتسامة تشعرك بالود والمحبة.

لقد كنت أسميه “الحاج” ابو نادر لأن مظهره ووقاره لا ينمَّان سوى عن حاجٍ لبيت الله، يملأ الايمان قلبه وتبدو السماحة على وجهه. كان جدي يبتسم عندما أقول ذلك.

بعد عدة سنوات إكتشفت أن (الحاج) ابو نادر مسيحي وأن جدي اعتاد أن يزوره في اعياد المسيحيين ليعايد عليه وعلى اقاربه.

مقالات ذات صلة

لقد كان ابو نادر (كما كان جدي) رجلاً من زمن يُقَيَّمُ فيه الانسان بأدبه وبأخلاقه وبتعامله، لا بدينه أو بعرقه. فقد كان ما يجمع جدي بأبي نادر من الاحترام والمحبه مثل ما كان يجمعه مع ابناء دينه وربما اكثر.

في ذلك الزمن كانت اعيادنا اعيادهم وكانت اعيادهم اعيادنا. اتذكَّر جيداّ تلك الصحون المغطاة التي كانت تبادل بيننا وبين جيراننا المسيحيين في كل المناسبات وجلسات النساء المليئة بالثرثرة بين والدتي وجارتنا المسيحية والتي لم تكن تخلو من طرفة في مقارنة الاديان دون ان يؤثر ذلك على مشاعر الود والمحبة والصداقة.

اليوم، ومع ارتفاع المستوى التعليمي للناس، تجد تصرفات قذرة من البعض من الطرفين يتم فيها الشتم وتبادل التعبيرات العنصرية القميئة التي تثير مشاعر البغضاء بين المسلمين والمسيحيين والتي يستفيد منها فقط فئة ضالة من الطرفين قد تضم سياسيين او رجال دين او رجال اعمال او رجال اعلام.

المسلمون في الاردن ليسو متطرفين ولم يكونوا يوما كذلك ولديهم من الاحترام لاخوانهم المسيحيين الكثير، والمسيحيون في الاردن هم ملح ارضه ولم يكن لديهم يوما كراهية لأخوانهم المسلمين. واما من يكرهون ومن ينشرون الكراهية من الطرفين فليسوا اردنيين لأن الاردني كبير بأخلاقه وبعروبته وبدينه والكبير لا يكره.

يبدو ان مجتمعنا بجميع فئاته يعاني من مشاكل نفسية او اجتماعية او اقتصادية عويصة؛ فالمجتمعات لا تنمو فيها الفتن الدينية بغير وجود الجهل والفقر والظلم والتراجع الحضاري.

يقول ابن خلدون:
“الفتن التي تتخفي وراء قناع الدين تجارة رائجة جداً في عصور التراجع الفكري للمجتمعات”

ليكن عيد مولد النبي الانسان محمد عليه الصلاة والسلام وعيد ميلاد السيد المسيح مناسبةً للتسامح وقبول الآخر وليبدي ذلك الآخر محبته واحترامه لاخوته في الوطن والتاريخ ولقيمهم ورموزهم الدينية.

كل عام والمسلمين واخوانهم المسيحيين بخير ومحبة.

ودمتم

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى