انكسارات / احمد المثاني

.. مثلما في كل شوارع العواصم المنكوبة .. و مثلما كلّ الآباء المتعبين ، و في المساءات الشتائية التي داهمت المدينة ، و أغرقت طرقاتها بالماء و الطين .. يعود عم جابر .. ابن الستين ، بعد أن نزل من سيارة ” البك اب ” قاصدا بيته في أعلى الجبل .. بين مجموع البيوت المتهالكة .. تأخذه خطواته المتثاقلة فوق الدرج الصاعد و هو يلهث و قد احمرت أرنبة انفه من شدّة البرد ، و أثقلته أكياس هي حصيلة ” يوميته” من الورشة .. كيس خبز .. و كيس بندورة و بضع حبات من البطاطا .. و لم ينسَ أن يحضر “الهريسة ” كما وعد .. .. كانت ملابسه مبللة بماء المطر ، فقد باغتته الغيوم الماطرة و هو في الورشة ، يحمل أكياس الاسمنت و الرمل .. و لم تشفع له طاقية الورق التي اعتمرها .. كما لم يشفع له “المعلّم ” الذي أصرّ على اتمام ” الصبّة ” رغم عاصفة الأمطار يا لله ! كم هي صعبة لقمة العيش حينما تصطحب الشقاء .. و العرق لكن عم جابر ، يصرّ على أن يأكلها بالحلال .. رغم مرضه الذي ترك له رجلاً لا تقوى على حمله .. و كان صعود الدرج و هو يسعل يزيد من عذاباته .. كان عم جابر يحلم أن يكبر الأبناء ليحملوا معه عبء هذه الحياة القاسية .. يحلم بأن ينزل من أعلى ذلك الجبل .. فما عادت ساقاه تحملانه .. و هذا الدرج اللعين قد أكل من عمره و قوّته .. لكنه ، يصحو على الواقع المرير ثلاثة أبناء معاقين .. و زوجة أنهكها المرض .. و ديون ما عاد يقوى على سدادها .. أخيرا ، يدخل باب الدار ، ليجد أبناءه يرتجفون من شدّة البرد و قد تكوروا تحت أغطية .. فما في البيت من وقود .. و أدار المذياع ليستمع .. كان برنامج عن ” عيد ” العمّال !! – احمد المثاني –

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى