انتخابات نقابة الصيادلة / د.عامر مقابله

انتخابات نقابة الصيادلة و المال الأسود

بعد الأحداث الجسام التي مرت على نقابة الصيادلة خلال العامين الماضيين من استقالات و حل و تعيين لجنة حكومية لإدارة النقابة و وقفات احتجاجية و إضرابات و لقاءات و شد و جذب و انتهاء بتحديد موعد للانتخابات في شهر أيار المقبل, كان المؤمل أن يتعلم الصيادلة الدرس جيدا و يعملوا بجد و إخلاص لتأسيس نقابة حديثة، متطورة و عصرية تراعي كافة المستجدات و التطلعات و تأخذ العبر من دروس الماضي.
إلا أن ما حدث لم يرق لطموحات الغالبية العظمى من الصيادلة و كانت كل الأحداث سالفة الذكر حبرا على ورق أو هتافا في صحراء،حيث عادت الأمور إلى سابق عهدها و لم يحصل أي تغيير يذكر بخلاف ترشح صيدلانيتين لمنصب النقيب، في حين بقيت آلية الترشيح و الانتخاب كما هي تماما و ذهبت وعود و نداءات التجديد أدراج الرياح كأن لم تكن أصلا و قامت عين التيارات باعتماد نفس الطرق التقليدية في ترشيح أحد أعضائها و البدء بعملية تحشيد أقل ما يقال عنها أنها بائسة حيث اعتمدت على شعارات ممجوجة ومستهلكة و شرعت في إطلاق وعود التحديث و التطوير و البناء و غيرها بدون توضيح أو برامج حقيقية. و تسابقت كل قائمة على حشد دعم تكتلات داخل الجسم الصيدلاني ( ربما بعضها كرتونية) حيث لا يتجاوز أعضاء بعضها أصابع اليد الواحدة و ربما لا يجمعهم أصلا توافق ولا حتى رؤية موحدة و بدأت كل قائمة باستعمال العتاد الانتخابي الذي يقع تحت يدها بغض النظر عن كل ما مضى من شعارات و نداءات الاصطفاف و الوحدة خلال العاميين المنصرمين و صدق فيهم القول:

لا يخدعنك هتاف القوم بالوطن فالقوم بالسر غير القوم بالعلن

إلا أن الطامة الكبرى هي ما يتداوله الصيادلة في مجالسهم و على وسائل التواصل الاجتماعي من حدوث عمليات ما سمي “شراء أصوات” تمت و بشكل موسع،جهارا نهارا في النقابة و فروعها و تحديدا في آخر يوم للتسديد (الجمعة 31/3/2017) من قبل المرشحين أو مندوبيهم أو و سطاء، حيث ناهزت المبالغ المسددة في ذلك اليوم ربع مليون دينار. و تتلخص العملية في قيام المرشحين مباشرة او من خلال وسطاء بتسديد المستحقات المالية المترتبة على الصيادلة غير المسددين على أن يتعهد الصيدلاني برد هذه المبالغ مستقبلا (بعد أخذ ضمانات خطية أو شفهية منه) و بالتالي ينال هذا الصيدلاني حق التصويت و الذي سيذهب عرفا أو ضمنا لمن سدد عنه.
لقد عهدنا في السنوات السابقة و في كل المواسم الانتخابية هيمنة ما اصطلح على تسميته “المال الأسود” الذي يحرف أي عملية انتخابية عن مسارها الصحيح و يحيد بها عن اختيار الأنسب و الأصلح. و قد تفاقم استعمال المال الأسود و تعددت أشكاله و تفتقت العقول عن أساليب مضللة تغلف المال الأسود و تحاول تجميله، فرأينا طرود الخير و الصدقات و المعونات و الهدايا و أخيرا القرض الحسن في كل الانتخابات.

مقالات ذات صلة

إن ما حدث في نقابة الصيادلة تحت مسمى “القرض الحسن” هو حق أريد به باطل و جريمة شارك بها الجميع مرشحين و ناخبين، ضربت نزاهة و شفافية الانتخابات القادمة و ستفرز مجلس نقابة قادم لا يمثل الأغلبية العظمى من الصيادلة حيث ما بني على باطل فهو باطل.
و رغم محاولات البعض شرعنة ما حصل تحت مبررات عديدة مثل أن هذه ممارسة قديمة و متجذرة تحدث منذ سنوات أو أن التسديد يثري صندوق النقابة و انتهاء بالزعم أن المرشح لا يجبر الناخب على التصويت له أو أن بعض الصيادلة لا يستطيعون الايفاء بالتزاماتهم المالية تجاه النقابة في الوقت المحدد، فنحيل هولاء غلى القاعدة الشرعية التي تنص على أن درء المفاسد أولى من جلب المصالح و عليه فإن حسن النوايا “إن وجد” فلا يعتد به و الأولى أن نغلق أبواب الفساد و إن تحققت منها بعض المصالح الضيقة فالخمر و المسير حرمت رغم أن بها منافع!!

إن استفحال و تغول المال الأسود في الانتخابات بشكل عام و النقابات “إن ثبت” لهو مخالفة صريحة للشرع و العقل و الحمية و العرف، و قد تواترت الفتاوى الشرعية التي تحرم تقديم المال بكل أشكاله من نقد و هدايا و طرود وأي “منفعة” من المرشح للناخب و القرض الحسن يندرج تحت باب المنافع. كما أن القانون يجرم مثل هذه الأفعال و من نافلة القول أن النفس لا تقبل مثل ذلك و العرف الثابت يرقى بالانسان عن مثل هذه الأفعال .
أمت مطامعي فأرحت نفسي فإن النفس ما طمعت تهون
فأحييت القنوع و كان ميتا ففي إحيائه عرضي مصون
إن العملية الانتخابية بشكل عام لن تستقيم و تصح مخرجاتها إلا بعد أن نبدأ بتسمية الأمور بمسمياتها و نكف عن دفن روؤسنا في الرمال و نستذكر ما فعلته بنوا اسرائيل من محاولات التفاف و تحايل على منعهم من الصيد في يوم السبت فأنزل فيهم المولى قوله ” كذلك نبلوهم بما كانوا يفسقون”.

الانتخابات على كل المستويات تعد مناسبة للفرد للإدلاء بشهادته التي سيكون مسئولا عنها أمام رب العباد و الأولى أن يشهد شهادة حق و يتجنب شهادة الزور أيا كانت المغريات.

إن ما حدث في نقابة الصيادلة و وثقه العديد من الزملاء الصيادلة مرفوض و مدان و أجزم أنه سيؤثر سلبا على نسبة التصويت المتوقعة خلال النتخابات القادمة و الأهم من ذلك أنه ضرب مصداقية العملية الانتخابية و مخرجاتها بشكل عام و سيوسع الهوة بين الغالبية العظمى من الصيادلة و نقابتهم للأسف، و أشدد ان ليس الهدف هنا هو التعريض بالصيادلة مرشحين أو ناخبين بل النظر بعمق و العمل بصدق لإصلاح حقيقي في النقابة و الذي يستحيل أن يتم من قبل أي مجلس نقابة يصل إلى موقعه بطرق أقل ما يقال عنها ملتوية و مخالفة.

أتذكر أني كنت قد التقيت قبل عدة أشهر مع دولة الصيدلاني عبدالرؤوف الروابدة أطال الله في عمره و الذي قال لي يومها “نقابة الصيادلة أصابتها جائحة و من المستحيل أن تنهض منها” و أظن أبا عصام كان على حق بعد كل ما جرى.

اللهم ارزقنا الإخلاص في القول و النية و العمل.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى