اليمين للخيانة والبينة لمن أخلص!!

اليمين للخيانة والبينة لمن أخلص!!
شبلي حسن العجارمة

انخرط ”هدبان“ في سلك القوات المسلحة الأردنية عام ١٩٨٨ برتبة جندي/١ وکان يحمل شهاة الثانوية بنتيجة ناجح بمعدل متوسط،وأذکر أن أهل الشمال قاموا بتأليف أغنية کانوا يغنونها في الدبکات شعبية يقولون فيها ”ينعن بي التوجيهي يا رمان …ناجح راسب جندي اول مالك زعلان“، وانتشرت هذه الأغنية من شمال الوطن حتی جنوبه،هدبان أنهی مرحلة التدريب براتب ال٣٢ دينار وارتحل لإحدی مدارس الاختصاص في الجيش وقد کُسرت يده اليمنی ،أثناء إحدی الامتحانات قام المدربون بکبسة لضبط الغش فقالوا للتلاميذ ”کل واحد ينفض الدفتر نفض ويرفع ايده“،قام أحد زملاٸه بقذف ورقة صغيرة تحته مکتوب عليها جدول الضرب، في تلك اللحظة تأٓمرت علی هدبان کل الظرف وحتی الطبيعة من الهواء والجاذبية وموقع کرسيه وموقع زميله اللامبالي، تم ضبط هدبان وتلبيس الورقة له ، هدبان أقسم لهم ولقاٸد المدرسة انه يحفظ جدول الضرب عن ظهر قلب،طلب منهم أن ينسخ جدول الضرب عن غيب وبوجود عشرة مراقبين ، توسل بکل الوساٸل،حتی أن زميله الذي خوزقه هذا الخازوق اعترف بفعلته لکنهم تجاهلوا هذا الاعتراف من باب أن صاحبه يريد أن يمثل عليهم فيلم شهامة ويخورفهم ،تم محاکمته محاکمة قاسية وظالمة،وتم حلاقته علی الصفر .
هدبان دخل الجيش تمهيدا للحصول علی حظ مقعد في الذهاب لجامعة مٶتة للحصول علی لقب ضابط، وفعلا جاء البشير بأن الجامعة طلبت الشواغر وتقدم هدبان وحين دخل للأمر قال له ”أنت غشاش ولا يشرف مٶتة أمثالك، ولا يجب أن تکون ضابطا في الجيش، والشروط لا تنطبق عليك لأنه تم محاکمتك“،قالها القاٸد بکل فضاضة وغلاظة.
انهی الدورة هدبان وبتقدير جيد جداً، تم ترحيله لوحدة عسکرية في إحدی زوايا الوطن المهملة ،وکانت هذه الوحدة لا يخدم بها سوی قليل الحظ ومن لا واسطة ولا قفا له، مشت الأيام أحب هدبان وحدته صارت جزءاً من حياته لدرجة أنه لا زال بعد تقاعده بسنين طويلة يزورها من بعيد ويحدث أطفاله عنها وکيف قضی فيها عمره.
تزوج وأثناء حمل زوجته بابنه البکر طلبت منه بسکوت من بسکوت الجيش الذي کان يشبه بلاط السيراميك الخزفي الصغير في الشکل والصلابة، ويحتاج لساٸل برکاني لتذويب لوح البسکوت به ، کان العسکر لا يحبذون أکل هذا البسکوت ، قالت له زوجته ”أنا بدي ولو حبة أنا حامل يا ابن الحلال وضروري تجيبه“ ،ذهب وهو غاضب منها ويقول ”والله لو يطلع بعين الولد فرن ومخابز الجيش ما مديت إيدي علی مال الجيش هذا حرام وعيب أنا يا بنت الناس حالف يمين “، وصل وحدته العسکرية واذا بهم يحرقون نصف سيارة شحن من البسکوت ويعطون البدو حول المعسکر النصف الاخر،هدبان منعته أسوار وقيود ” القسم والعيب ،الحرام والمبدأ“ ، کاد أن يقول للضابط بدي باکيت واحد ،أو حتی باستطاعته أن يأخذه بلا استٸذان ولا أحد يحاسبه علی ذلك، لکنه قبيل ضعفه بلحظات ، تذکر نشيد القسم الذي کان يردده الجند في حفل التخريج:
إني لأقسم بالإله …. قسماً تخرُّ له الجباه
أني سأخلص للمليك … وللبلاد مدی الحياة.
ذهب وهو يتغنی بهذا النشيد بصوت عالي حتی قال العسکر هدبان انهبل وفقد اخر فيوز ،کيف لا وهو الذي رأی أنه سيشوه نشوته برقاقة بسکوت زاٸدة عن حاجة الجند لزوجته الحامل والوحمانة.
بلغ الجهد والعناء بالبحث من هدبان ما بلغ بالسٶال عن قطعة البسکوت لزوجته الوحامة التي ملّ تکرارها لهذا الطلب حتی ما يطلع وجه الولد حبة بسکوت ذات ثقوب وحواف کبيرة ، أرشده أحدهم أنه يباع في المٶسسة الاستهلاکية العسکرية ، اقترض من أحد زملاٸه مبلغ دينارين واشتری ثلاثة باکيتات بسکوت وعاد لزوجته وهو يقول ”هاظ بسکوت حلال ومن حر مالي کلي لمن تشبعي،شفتي الحلال لو انه صعب لکنه موجود وإله طعم طيب“.
تقاعد هدبان برتبة وکيل عادي ،ولا زال يحدث أبناٸه ومستشهداً بزوجته عن تلك القصة مفتخراً بهذه القصة ليضرب لهم مثلاً بالإخلاص للواجب والأمانة والتضحية وعدم المساس بحقوق الغير وحرمة الوطن.
هدبان اتصل بي البارحةالساعة الواحدة ليلاً وهو يتنهد ويتحشرج بکاءً وقال” طالعت الأخبار ،شفت عوني ووضاح کيف يتجرأوا يقسموا علی القرأٓن علی خيانة الوطن ويوخذ وضاح ثمن الخيانة ويدنس مکة والمدينة بالرشوة والخيانة “.
هدبان الان موظف أمن وحماية علی باب إحدی الجامعات براتب مٸتين وخمسة دنانير ، ويأخذ معه زجاجة الماء من حنفية البيت حتی لا يبعزق الراتب ،ولا زال کلما تحدثنا عن الفساد کرر لي قصة الوحام لزوجته والبسکوت“.

#القصة_حقيقية_وبطلها_حي_يرزق.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى