” الى صديقي … نصائح العودة ” / محمد سعود شواقفة

” الى صديقي … نصائح العودة ”

تساءل صديقي : هل أعود ؟! …
حقيقة سؤال صعب و لكن من تجربتي كعائد قبل ان اهرب مرة اخرى …لا اريد ان احرمك متعة او مرارة التجربة في وطن بات يباع و يشترى بأبخس ثمن ….
ربما لن تجد ما تفتقده ابدا …. قد تجد من ذكرياتك بقايا صور مهشمة ..
الاماكن ليست نفس الاماكن و الوجوه اختلفت ملامحها كثيرا …. اللهجات اختلفت …. و اذا تحدثت لن يفهم عليك احد و اذا صمت لن يتأثر لصمتك أحد …. و لو اقتادوك الى الاعتقال بسبب او دونما سبب … لن يكترث لذلك احد …
لن تجد فرقا بين من يذهب لعرس او عزاء ….. و غالبية الناس عندها ” سكري” و لا تكترث و تأكل “الكنافة” و “العوامة” باستمرار …. و لا يهمها “كولسترول” او جلطات … فالمناسف حاضرة و اذا اصابهم الملل فالمشاوي او “الصاجية” على اقل تقدير …. الكل يدخن السجائر في كل مكان … و المقاهي اكثر من المساجد في المدن و بعض القرى ….
و “الاراغيل”اصبحت منظرا مألوفا و للجنسين في كل مكان …..حوادث السيارات تعمل بديلا عن عزرائيل … شوارعنا متآكلة و بنيتها منهارة و السيارات الكورية كالذباب في كل مكان …. لا تذهب الى مكان الا و تصطادك كاميرا …. و ان كنت محظوظا فلن يوقفك الشرطي اكثر من مرتين في طريقك من اربد الى عمان …المطاعم اسعارها لم تعد بمتناول اليد … و لكنها تزخر بالزبائن … لذلك تسمع عن لحوم فاسدة و قضايا صحية غريبة عجيبة ….لم تعد غالبية النساء تطبخ … و صار هناك محلات للطبخ الجاهز … ليس منسفا فقط بل مقلوبة و فريكة و كباب و مكامير ….و ربما ورق دوالي …
لم يعد احد يكتفي بتلفون عادي واحد … فكل يحمل واحدا او اثنين … و لا تسمع هاتفه يرن الا وقت الصلاة ….
شيوخنا كلهم باتوا قالبا واحدا …لا يختلفون عن بعض ابدا ..يحفظون نفس الكلام و يرددون نفس الخطب … فلن يفوتك شئ ان لم تصل جمعة … فسيعيدها الخطيب قريبا جدا…
قضايانا مثل فنجان القهوة …” غلوة واحدة” …تفور بسرعة و تنتهي بلحظة … فلا تشغل بالك و لا تنفعل …. فلا القدس تتعبنا و لا ريال مدريد اكبر همنا …فلديك هناك اكثر من مئة طريقة للجلطة غير الاخبار … نشاهد رئيس الوزراء او الاعلام او الداخلية
و لكن بدون صوت …لم يعد هناك فرق…
بلدك زاخر بالوطنيين الذين يعتقدون انك صاحب اجندة اذا انتقدت اي فساد …. و لا تستغرب اذا تعطلت امور حياتك بسبب ان هناك من كتب تفاصيل حياتك بتقرير سري لجهات مجهولة …. و هناك صحف و مواقع الكترونية تخصصت في نشر الاكاذيب و الاشاعات و تزوير الحقائق و لكن يقرأها الناس و لا تؤثر بهم سواء حقيقة ام كذب …
لا تبحث عن اي وظيفة بمؤهلاتك و لا تصدق ان هناك اعلانات و مقابلات …و انصحك بعدم اضاعة الوقت في تقديم اختبارات و امتحانات …. قد يفيدك المراسل اكثر من رسالة توصية استاذك الذي اشرف عليك في الدكتوراه…. لا تيأس و ابحث عن نائب
تربطكم به علاقة قرابة او نسب ….و لا تستسلم ربما لن تجد عملا ابدا.
واذا وجدت …ضع جانبا كل ما تعلمته … واربط الحمار في المكان الذي يطلبه منك صاحبه و لو كان مكانك انت !!
ظهرت وظائف جديدة لم تعهدها … فهناك فارضي الاوتاوات ينتشرون بقوة في كل الاحياء … يهددون اصحاب المصالح و قد يحرقون سياراتهم و يعتدون على محلاتهم و هي وظيفة تساهم في حل البطالة و انعاش الاقتصاد …. و قد تعرف ابناءنا في القرى و المخيمات و حواضر المدن على المخدرات باشكالها و صار لديهم تجارب مع الادمان و لا يزال ” الجوكر ” صديقا لاولادنا في المدارس و باسعار في متناول اليد للجميع.
تغيرت الملابس فلم تعد تميز الشاب من الفتاه … و انصحك باللطف و الحذر لان هناك جنس ثالث ينتشر و برعاية من منظمات الدفاع عن حقوق الانسان و الحيوان … لا تستغرب ان تجد فتاة محجبة ترتدي جينزا ضيقا و بلوزة ” تايت” و نصف شعرها المصبوغ يتدلى على و جنتيها الذي تطمر معالمه مواد التجميل و المساحيق … و لا تتعجب ان ترى اكثر من ذلك او اقل … حسب المنطقة و اخلاقك العالية في غض النظر ….
لا تعتقد انك ستنهي اي معاملة في دائرة حكومية اذا ما التزمت بالدور …. عليك ان ترتدي ملابس مناسبة للمصارعة و اقترح عليك كمامة مع بخاخ مضاد لرائحة العرق … و لا يكون في جيبك محفظة و ضع الرسوم في مكان امين لا يطاله احد او تهلك دونه … و احسب حسابك بانك قد تمضي نهارك كله لتنهي معاملتك …او عليك بان تجد ” واسطة ” او تدفع من تحت الطاولة لموظف محترم سيوفر عليك عناء الانتظار.
لا تفكر بانك ستجد مصفا مناسبا لمركبتك في اي مكان … و لو وجدت ركنا آمنا في اي ركن فابشر بمخالفة يضعها لك الشرطي بكل اناقة تحت ماسحات الزجاج فلا يمكنك تجاهلها.
هناك …الناس لا يتحدثون معك ابدا … اذا سمع احدهم نكته ارسلها لك واتساب او شاركها على الفيسبوك … تهانينا الكترونية و مشاعرنا لحظية … بالكاد تجد الناس مجتمعة الا في المناسبات و الكل مشغول بلا شئ …
البلاد كلها تصاب بالشلل بعد الساعة الرابعة مساء تنتهي الحياة الا في مراكز اعداد الموتى ” المستشفيات”.
قد تكون محظوظا ان لم يخدعك احد او تتعرض للنصب اقل من عدة مرات … فشاحن الهاتف مزور … و المكنسة الكهربائية لا تعمل و حذاءك ليس جلدا اصليا …. و ماركات الملابس التي اشنريتها يتم لصق علامة الماركة عليها في مصنع بائس في سحاب او المدينة الصناعية ….
لا تحاول ان تمرض … فالمشافي خدماتها محدودة …فان وجدت طبيبا فقد لا تجد سريرا … و ان وجدت احدهما فربما لن ترى ممرضة قبل ان تسلم الروح لباريها …. و ربما تكون محظوظا فتجد واحدا من الادوية التي يصفها لك الطبيب … و اذا وجدت ادويتك في اي صيدلية …لربما تفكر انك لم تعد مريضا لانك لن تستطيع شراءها لارتفاع اسعارها.
لا تحاول ان تركب تاكسي فلن يقف لك احد و لو كانت السماء منهلة و الارض مبتله و لا تظن ان كريم و اوبر اكثر رحمة …. فاذا وصلك احدهم فاعلم انك ستسلب مالا وفيرا ….انصحك بالبقاء في المنزل الا للضرورة القصوى ..
و المضحك المبكي …انك اذا حاولت الهروب من كل هذا الجنون … ليس متاحا لك ذلك …فاغلب السفارات تطلب منك حسن سيرة و سلوك … هههه
اجمل اللحظات ان يختم على جواز سفرك خروج نهائي ..لكن الى اين ؟!!!

… ” دبوس للعودة لارض الوطن”

مقالات ذات صلة
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى