النظام الاردني ومجابهة صفقة القرن / المحامي جمال حسين جيت

النظام الاردني ومجابهة صفقة القرن،،، هل الاولوية للخيار الداخلي ام الخارجي؟

عبر الملك وبشكل واضح وصريح عن رفضه لصفقة القرن في أكثر من مناسبة، وخرج بهذا الموقف من إطار اللقاءات “المغلقة” التي كان يعبر فيها لرجال السياسة والاعلام الى اللقاءات “الشعبية والرسمية”. في مدينة “الزرقاء” كانت البداية وامام قادة الاجهزة العسكرية والامنية اكتمل المشهد رفض صفقة القرن من خلال التأكيد على “لاءات الزرقاء الثلاث” لا مساس بالقدس لا وطن بديل لا توطين.
هذا موقف في حال ثباته سيدخل النظام والدولة في مواجه مع حلفائه التاريخيين سواء على المستوى (العربي والاقليمي والدولي) وستكون ضريبته كبيره سواء على النظام أو الدولة معا.
الموقف الشعبي من قضية صفقة القرن واضح وسابق أيضا وليس محل نقاش فهو بالاصل رافض للإتفاقية المشؤومة “الام” وادي عربه وكل ما يتفرع أو ينبثق عنها أو يوصلها لصيغتها النهائية سواء بإسم صفقة القرن أو الحل النهائي أو التسوية النهائية.
نظريا هذا قد يؤشر الى أن ثمة توافق بالموقف بين النظام والشعب من هذه القضية الحساسة والخطيرة التي تهدد وجود كيان الدولة ونظامها معا ويمكن ان يصلح لبناء جبهة شعبية ورسمية جامعة لرفض صفقة القرن، لكن الواقع ليس بهذه الرومانسية ولا هذه البساطة فأزمة الثقة بين الطرفان عميقة ومعقدة وتحتاج لتبديد!!!
المعارضة الوطنية (أحزاب وحراكات وشخصيات وطنية،،،) لا تثق للان ان النظام الذي أرسى أركان حكمه وفق تحالفات تاريخية ومتوارثة وربط الأمن الوطني والقومي للدولة الأردنية من خلال صندوق النقد الدولي واتفاقية وادي عربه ووجود السفارة الصهيونية في عمان والسفير الأردني في تل ابيب واتفاقيات طويلة الأمد مثل “اتفاقية الغاز، والاعلان عن منتدى الغاز وناقل البحرين وسكة الحديد، واتفاقية عمالة الأردنيين وووو” سيواجه حلفائه وينقلب على مشروعهم؟
البعض الآخر من المعارضة يعتبر موقف النظام ليس ثابت أو نهائي بل ان تغيره مرهون بتغيير الشروط اوتبدل الظروف ويدلل على ذلك أن النظام للان لم يدخل في اي تغييرات للإصلاح ولتحقيق مطالب الشعب بالتغيير بل يعتبروا أن المخاوف من صفقة القرن تم تضخيمها من أجل الالتفاف على أزمة الداخل التي يعيشها سواء اقتصاديا أو سياسيا، كل هذا جعل الهوة كبيرة واستعادة الثقة أمرا في غاية الصعوبة فمن أراد أن يواجه هذا المشروع عليه اولا ان يصارح شعبه ويدخل في إصلاح مؤسسات الدولة بشكل جدي وسريع.
المعارضة على اختلاف صورها سواء التقليدية كـ الاحزاب والنقابات والشخصيات الوطنية او الحراكات المختلفة تجد ان النظام للان يدير ظهره لكل هذه الخطوات فخطاب الملك الذي عبر فيه بوضوح عن رفضه لصفقة القرن كان محمولا على لغة التشكيك لجزء من المعارضة وكلام مدير الدرك يصب في ذات الاتجاه ويأزم الموقف أكثر، وعلى الأرض لا نشهد تغيير لا على مستوى الداخل ولا على مستوى العلاقة مع الكيان الصهيوني المهدد الأول للنظام والدولة.

اذا ماذا يفهم من الرسائل التي يبعثها النظام للداخل؟
من الواضح أن النظام لم يحسم للان كيف يتعامل مع أزمة الداخل سواء الاقتصادية أو السياسية، فالخيارات الاقتصادية محدودة وتقوم على الاقتراض والهبات ومرتبطة مع حلفائه ويحتاج وقت لخلق بدائل جديدة ومستمرة خارج اطار محوره التقليدي.
على مستوى الإصلاح بشقيه السياسي والاقتصادي يبدو ان النظام يريد أن يخرج بأقل الخسائر مع الداخل لهذا نجده مترددا في خيارات الإصلاح فالتأكيد “على أننا في أزمة ويجب أن نعتمد على ذاتنا ويجب أن نواجه هذه الصفقة مهما كانت التبعات” هذه الرسالة التي يبعثها النظام، وهذا لا أحد يختلف عليه، لكن كيف؟؟؟
يبدو ان النظام يركز على الحل الخارجي اكثر من الداخلي لهذا هو يناور بحذر شديد على ايجاد خيارات لدخول في محور جديد يخلق له خيارات المواجهة المرحلية على الاقل فواضح انه يراهن على عامل الوقت في ادارة الازمة فالانتخابات في الكيان الصهيوني واعادة انتخاب نتنياهو من عدمه هي احد العوامل التي يراهن عليها ولا شك ان الرسائل التي بعثها الملك بـ لاءاته الثلاث جزء منها للتأثير على الداخل الصهيوني، وهل سيكمل ترامب مدة الرئاسة؟ أو هل سيعاد انتخاب؟
وفق هذا التصور وإذا حاولنا ان نلتقط بعض الاشارات التي يرسلها النظام للداخل نجد أن احد الخيارات التي يدور حولها النظام أنه يريد مواجهة الأزمة بنفس الأدوات السابقة التي أوصلت الدولة إلى هذه المرحلة وان أكثر شيء ممكن أن يقدمه هو ان يستبعد أدوات تنفيذ صفقة القرن من داخل المؤسسات ومثال ذلك التغييرات التي طالت دائرة المخابرات وان يجري بعض التغييرات السطحية وان يعيد تقريب بعض الحرس القديم “البيروقراط” وأن يستعين بعقلياتهم لإدارة الأزمة ويبدو ان مسيرات دعم الملك التي شهدتها الزرقاء وعجلون وغيرها من المدن والتي تنسقها اجهزة الدولة هي احدى نصائح هذه العقلية محاولة لاقناع الملك بأن الشعب معك.
الخيار الاكثر ديناميكية الذي يتولد عن التصور أعلاه وقد يجده النظام اكثر قبولا ولو مرحليا هو التقارب مع الاخوان المسلمين فهذا خيار يحقق له اكثر من هدف في ذات الوقت داخليا وخارجيا، فيمكن للنظام من خلال شراكة الاخوان أن يكسب تحالف مع قوى منظمة لها بعدا شعبيا وعندها اطماع “انتهازية” سياسية وممكن ان توافق على إصلاحات محدودة تضمن للاخوان دورا في الحكم وتساعده للالتفاف على الإصلاح الحقيقي والجذري.
وفي البعد الخارجي للتحالف مع الاخوان انها قوى لها امتدادات إقليمية مثل “قطر وتركيا وحماس” وهذه الدول هي إحدى خيارات النظام للمناورة في الدخول في محور إقليمي جديد يشكل بديل للمحور التاريخي الذي كان النظام جزءا منه.

على النظام ان يعي الحقيقة كما هيّ، أزمة الثقة التي يعاني منها لا ترتبط فقط بالقوى السياسية (المعارضة)، الثقة منعدمة مع الناس البسيطة القابعة في القرى والمخيمات والمدن في كل الوطن، على النظام ان يعي ان التحدي الاقتصادي الضاغط على المواطن يرتبط بشكل كبير مع الفساد الذي نهب مقدرات الوطن ورهنها للبنك الدولي و للكيان الصهيوني ونخر مؤسسات الدولة ففشلت في تقديم الخدمات الاساسية للمواطن من تعليم وصحة وعدالة اجتماعية وظهر شكل الدولة الرخوة ليحل مكان دولة قانون ومؤسسات، الثقة تتعلق بغياب سلطة الشعب لمصلحة السلطة المطلقة.
على النظام أن يعي المدخل لمواجهة مشروع صفقة القرن داخلي اولا من خلال تقوية الجبهة الداخلية وهذا لايحققه شعارات استلهام الهمم والمشاعر تحت عناوين وطنية وقومية ودينية، بل يحققه الإصلاح الحقيقي الذي يؤسس لاستعادة سلطة الشعب ومقدراته ومحاسبة الفاسدين وبناء اقتصاد انتاجي يعيد القطاعات (الزراعي والصناعي والتعليمي والصحي و الخدمات) بمكانها الطبيعي وتحقيق العدالة الاجتماعية وصولا إلى دولة القانون والمؤسسات.

اظهر المزيد

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى