النباتيون / د. هاشم غرايبه

النباتيون
هنالك طائفة من البشر يطلقون على أنفسهم مسمى “النباتيين”، لا يأكلون اللحم، وكل طعامهم نباتي المنشأ، هؤلاء يعتبرون أن قتل الكائن الحي من أجل أكل لحمه وحشية لا تختلف عن وحشية الحيوانات المفترسة التي تهاجم طرائدها.
وهنالك آخرون أكثر تشددا فيقاطعون أيضا منتجات الحيوانات الداجنة، فيعتقدون أننا نعتدي على الدجاجة ونأخذ بيضها الذي باضته بشق النفس لأجل تفقيس كتاكيتها، وأننا نسرق حليب البقرة الذي انتجته لإطعام وليدها.
مع التقدير لرهافة الشعور ورقة الأحاسيس التي أملت عليهم موقفهم هذا، إلا أن موقفهم هذا خاطئ، ولا يتناسب مع دورة الطبيعة المتكاملة التي تميزت بأنها متوازنة في دورة غذائية مضبوطة، لتبقى الكائنات الحية جميعها في توازن تام، فلا ينقرض نوع ولا يتضخم عدد أفراد نوع آخر.
لقد وجد الإنسان منذ القدم أن هنالك حيوانات تتغذى على النبات ولا تأكل اللحوم، وهنالك حيوانات أخرى لا تأكل النبات بل اللحوم، وقليل جدا يمكنه تناول النوعين معا ومنها الإنسان.
النبات هو أصل الطعام إذاً، وقد يُظَنُّ أن النبات أرقى سلوكا من الحيوانات إذ أنه غير مفترس، لكنه حقيقة يتغذى أيضا على الحيوانات ومخرجاتها، فعندما يموت الكائن الحي سواء كان نباتا أو حيوانا، فإن مكوناته العضوية تتحلل الى العناصر الأولية المركب منها بفعل الكائنات الطفيلية وهي الديدان والبكتريا الدقيقة والخمائر، وهذه العناصر الأولية بالإضافة الى بعض المعادن المودعة في التربة تتحول الى مركبات النبات، التي تشكل غذاء كاملا للحيوانات العاشبة وغذاء جزئيا للإنسان، وهذه المكونات هي : السلليولوز والسكريات والبروتينات والزيوت والفيتامينات والأملاح، وإضافة لذلك ففيها صيدلية متكاملة لمعالج كافة أمراض الحيوانات والإنسان.
السليولوز هو قوام مركب النبات الرئيس وهو ألياف داعمة للنبتة ومكونها نشويات عديدة التسكر أي عالية التعقيد، لذا فأمعاء الإنسان غير مهيأة لهضمه، فلا يستفيد الجسم من مكوناته، لكنه ضروري لتشكيل كتلة حاملة للمواد الأخرى لتسهيل هضمها وامتصاصها.
أمعاء الحيوان العاشب مهيأة لذلك، فتحلل السليولوز الى سكر أحادي، ويتحول مع المواد الأخرى الى بروتينات ودهون يتكون منها جسمه كلحم غني بالبروتين تشكل غذاء للحيوانات آكلة اللحوم.
هكذا نلاحظ أن جسم الحيوان العاشب يشكل مصنعا تحويليا، فتتحول الألياف النباتية التي لا يمكن للحيوان آكل اللحم الإستفادة منها، الى بروتين يستفيد منه.
لقد أوجد الله الحيوانات المفترسة لكي تحافظ على التوازن، لذلك نجدها برية أي تعيش في المناطق التي لا يتواجد بها البشر، فهي بالإفتراس تحافظ على أن لا تزيد أعداد الحيوانات العاشبة لدرجة تهدد الغطاء النباتي.
وهكذا يجد الإنسان طعامه في النبات والحيوان، بكميات ليست مخزونة، لأن المخزون قد ينفذ أو يفقد صلاحيته، بل متجددة وموزونة لا تزيد ولا تنقص: “وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْزُونٍ ” [الحجر:19].
لذلك فالقول بأن الإنسان يعتدي على الكائنات الحية الأخرى محض هراء، فهي ما وجدت لذاتها وتطوير مجتمعاتها، بل لغاية تأمين غذاء الإنسان.
كما أن الإنسان لا يعتدي على بيضها أو حليبها، بل هي وجدت لتزويد الإنسان، فالدجاجة تبيض 240 بيضة في السنة، ولا تستطيع أن ترقد على أكثر من 21 بيضة، والبقرة تنتج يوميا 30 ليترا من الحليب، ولا يحتاج وليدها لأكثر من أربعة.
هكذا هي الدورة الغذائية في الطبيعة، كل ماهو موجود في الأرض له دور يؤديه، وفي النتيجة النهائية يصب في مصلحة الإنسان، من علم ذلك وفهمه بما فتح الله عليه من علم، يدرك أن الأمر مرتب من قبل خبير عليم، ولا يمكن أن يتم أمر بهذه الدقة والكمال من غير مدبر حكيم، لكن من أعمى الله بصيرتهم يقولون أن الطبيعة أي البيئة الطبيعية والكائنات الحية هي التي تكفلت بكل ذلك.
ولو سألته أن يفسر ذلك علميا، سيقول لك أن الكائن الحي طور قدراته حسب احتياجاته على مدى الدهور.
هذا كلام لا معنى له، فتكامل الدورة المحكم لا يمكن أن يتم بالعشوائية والصدف ومن غير نظام مضبوط وتوزيع للأدوار وضابط قدير.
أليس العقل زينة!؟.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى