المعارضة الأردنية..

المعارضة الأردنية..
د.فلاح العُريني

نتفق دوما مع مصطلح المعارضة الوطنية، والتي تُذَيَّل باسم الوطن في نهاية كل قرار او مطلب، تلك المعارضة التي تؤمن بالوطن وقدسيته بعيدا عن الأداء الحكومي، تلك المعارضة الحقيقية التي تهدف إلى ديمومة العمل السياسي وتوجيهه نحو رفعة البلاد وعزها بعيدا عن المصالح الشخصية..
وفي الدول الديمقراطية بحق، تكون المعارضة جزءا من المنظومة الحاكمة، ويؤخذ برأيها وتتعامل معها الحكومة القائمة وكأنها مجلس استشاري يحسب له حساب في العمل والبناء، وكمجلس رقابي تهابه الحكومات إذا ماتجرأت وتطاولت على الوطن..
المعارضة الحقيقية هي تلك التي تعي مفردات العمل وتفرق بين المفردات الثلاثة: الوطن والحكومة والدولة، فتؤمن بالأولى، وتراقب وتحاسب الثانية، وتنتمي للثالثة بشرف..
والمعارضة الوطنية التي نؤمن بها هي تلك التي تصنع نفسها بنفسها وفي وعاء فكري وسياسي لاينضب بحيث تكون صناعة وطنية دارت رحاها من واقع الوطن وأنين الشعب واحتياجاته..
هنا في الأردن نُقدِّر ونحترم المعارضة باغلبيتها سواء بشكل فردي او عمل منظم كالاحزاب والكتل البرلمانية وغيرها، ففي غالبها عملها وطني واجندته وطنية لايشوبها عيب ولايتعقبها فاسد..
ولكنني سأحدثكم عن ثلاثة اصناف لاعلاقة لها بالمعارضة، ولا اساس لها من العمل السياسي، بل هي اصناف نتنة ابتلينا بها، وقد نالها من مرض (الأنا الاعلى) ما افقدها صوابها وضيع كرامتها وانسانيتها حتى انزلقت بأفعالها إلى مهاوي الردى واحذية الشرفاء من الشعب..
هذه الاصناف اليكموها:

أولاً المعارضة العابرة.

وتتمثل هذه الفئة باشخاص ظهروا بلباس الفروسية ولسان النبي المنقذ للبشرية، وتكاثروا بشكل ملفت للانتباه ابَّان مايسمى بالربيع العربي، فقادوا مسيرات النقد والاصلاح، وصعدوا على اكتاف المواطن البسيط كخطوة أولى من خطوات سلم الذل والهوان والاحتقار، فتجاوزوا كل الخطوط قولا وفعلا، في زمن مايسمى بالامن الناعم، فكان اسكاتهم فرض عين على الحكومة لاستيعاب الشارع واسكاته، فكانت العقبة الحقيقية في وجه الوطن تتمثل بايمان الشعب بامثال هذه القيادات الخائنة التي تسعى لصالحها الخاص، حيث استخدمت اشد العبارات واقذر الافعال، وتكلمت بالسياسة والاقتصاد والمال والاعمال، وتطرقت للقانون وبناء الاوطان، وكانها الحاكم بأمر الله..
وتظاهرت هذه الفئة بأنها كبش فداء من خلال الاعتقالات والادعاء بالتضحية، واعتناق الاسلام تارة والذهاب إلى مصنع القوميات تارة أخرى، حتى آمن به من آمن، وفاوضه من كفر به، وكانت النتيجة ان تبوأ امثال هؤلاء مناصب قيادية وسيادية في الدولة الأردنية، وكانت تلك اسوأ مافي الربيع العربي بشكل عام والربيع الأردني بشكل خاص، لذلك كنت اكثر من استنكر الربيع الاردني واسميته في حينها خريفا، لانه كان يدار من قبل هؤلاء الاشخاص الذين قطفوا ربيع الوطن وجعلونا نستوطنه خريفا..
لم يكتفِ هؤلاء العابرون بالمنصب والمال السحت والحرام، بل اصبحوا ناقدين وناقمين على كل مواطن يتحدث عن الفساد، حتى اصبح جُلَّهم ذبابة الكترونية تدافع عن اسقاطات الحكومات وفسادها وشرذمتها دول خجل أو ملل أو حياء..

ثانيا المعارضة الانقلابية

وينتمي لهذه الطائفة اشخاصا كانوا في الاصل جزءا من المنظومة السياسة واركان الحكومة، وكانوا اصحاب قرار في الدولة ولربما اغلبهم عرَّابي فساد وقاهري عباد..
وهؤلاء كانوا الحلقة الاضعف في الدولة، ولاسباب معينة تم الاستغناء عنهم وعن فسادهم وانعدام انسانيتهم، لاسباب منها:
ان جعلوهم كبش فداء لترضية الشارع والحد من سخطه بعد قضية فساد أو قرار ظالم اخذ طريقه امام الرأي العام..
او تصفية حسابات بين مسؤولي الدولة، رمت بأحدهم على قارعة الطريق..
ولربما ان احدهم غادر مسرح السياسة قبل ان يحقق احلامه بالسلب والنهب..
جميع هذه الحالات تكون قد غادرت بغير رضاها وقد أُقيلت قسراً، فليس امامها الا ان تركب موجة المعارضة، وتتحدث عن الفساد واركانه، بوثائق وادلة وبراهين، وتتحدث عن ويلات في تاريخ الحكومات وكانت هي احد اباطرته، مثل هؤلاء نسميهم معارضة انقلابية لايُؤمّن لها ولا نؤمن بها، فتلك خنجرا ساما في خاصرة الوطن، لايختلفون عمن امتطوا ظهر الدبابة الامريكية ليحكموا العراق، فالسياسي الفاسد الذي كان يصول ويجول في مصنع القرار، انني اشهد الله ان فساده اشرف من انقلابه معارضا نتناً لتصفية الحسابات مع اقرانه في الفساد، فهؤلاء لاذمة ولاعهد لهم.

ثالثاً المعارضة المبتكَرة

وهذه المعارضة تصنعها الحكومة بنفسها ولنفسها، وتجعل منها رسالة للرأي العام العالمي مفادها حرية الرأي والتعبير، واحيانا يتم استخدامها وتوظيفها للتنفيس من حالة الاحتقان لدى الشعب، فمثل هذه المعارضة اشبه بالعميل المزدوج، والذي في نهاية المطاف سيصبح مطلوبا لكلا الاطراف، وعادة مايتم اختيار هؤلاء من بين مرضاء النفوس المشهود لهم بالكذب والنفاق والخلق الذميم..
طوبى للشرفاء في هذا الوطن، الذين يهتفون بالحق ومع الحق وللحق، طوبى لهم متى كانوا اصحاب قضية ونهج شريف، والمصلحة الوطنية اسمى غاياتهم..
طوبى لمن قارع الفساد والفاسدين وآمن بربه ثم استقام..
طوبى لكل حر شريف:
قال للفاسدين لا..
قال للعابثين لا..
قال لراتب طوقان لا..
قال لتعيين ابن رئيس الوزراء الاسبق لا يا ابني والف لا..
قال للفقر والجوع والظلم والاضطهاد والبرد والصقيع لا لا لا لا..
كلمة تصدح بها حناجر الشرفاء..
لاااااااا لظلمنا في أردننا..
لاااااااا لظلمنا في أردننا..
لاااااااا لظلمنا في أردننا..

نفذصبرناأيها_العابرون

د.فلاح العُريني.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى