المظاهر تخدع …أحيانا / د . محمد شواقفة

المظاهر تخدع …أحيانا

ذهبت مع الوالد أطال الله في عمره لموعده عندما كان تحت العلاج لاجل صورة طبية …. في قاعة الانتظار بدأ أحد البسطاء في محاولات يائسة لجري لحوار لم أدرك كنهه…. وحسب نظرتي المتواضعة و من كرشه الممتد أمامه ترافقه الصلعة اللامعه الا من بعض شعيرات اعتقد انه بذل جهدا كبيرا لصفها بجانب بعضها بعناية فائقة …. استنتجت انه قد جاوز ربيع العمر ….وكوني احيانا لا أحب اقتحام خصوصيات الناس و فعلا احتراما لجموع المرضى و المرافقين حاولت تقمص شخصية الشاب الراكز الرزين ….فالتزمت قليلا من الصمت و كثيرا من الهدوء و ضبطت نفسي باجابات مقتضبة لسيل الاسئلة الفضولية …. و بين استماعي لنصائحه بخصوص حالة ابي و ضرورة التزامنا بالتعليمات الحرفية اضافة لملاحظاته على الدور و الواسطة و المحسوبية و احوال البلد و الاسعار و بين الصداع الذي جعلني أمقت الصداع الذي قرر ان يزورني في تلك اللحظة مما زاد ألمي و معاناتي …. و عندما تملكه اليأس مني توجه لوالدي الذي كان يعاني مع المحلول الذي طلب الموظف منه شربه قبل الصورة و راح يتجاذب معه اطراف الحديث …. لم يلفت انتباهي الا عندما سمعته يقول لأبي: “و الله ابنك غير يعقل اذا بتجوزه! ” …. “لويش بعده عزابي !”… نظر والدي باتجاهي مبتسما و لسان حاله يقول “انقذني !!”… عندها نظرت إليه راجيا و متوسلا أن يرحم “الحجي ” من سواليفه الفارغة ….فقلت له “أنا لسه صغير و بكير علي ..”…. لم يعجبه ردي و لم ينقذني منه سوى نداء الممرض على مرافقه فهب مسرعا ملبيا … و ضعنا اللوم بعضه او كله على مظهري الخادع …. فبنطال الجينز مع تسريحة عشوائية لشعري المهمل جعله يظن انني لا زلت شابا في مقتبل العمر و كل مشكلتنا أنا و والدي هو أنني عديم الخبرة و لا حل أمامنا سوى الاستماع لوجهة نظره ….
كنت كل يوم أعرج بسيارتي في طريقي الى العمل بدورية الشرطة عند زاوية جامعة التكنولوجيا الجنوبية … و خلال فترة لا تزيد عن الشهر أوقفني الشرطي ثلاث مرات !!! … ولكن لم تتم مخالفتي لأي سبب …. و لكنني لم أجدها فعلا مصادفة او اختيار عشوائي لذلك الشرطي في ايقاف المركبات و أميل للتصديق بأنها سوء طالع أو حظ ناقص ….لم يلفت انتباهي سوى ان ذلك الشرطي في أحد المرات جعلني اواصل سيري بعد ان اوقفني و كنت بكامل حلتي ارتدي بزة رسمية و ربطة عنق …. و اوقفني فعلا على جانب الطريق عندما كنت متحررا من ربطة العنق اللعينة …. في آخر مرة اقتنعت فعلا أن مظهري بدون ربطة العنق يجعلني اكثر عرضة لمشاكل انا في غنى عنها …. فالضابط لم يقتنع فعلا بأنني أستاذ جامعي و أنني أمر بتلك الطريق يوميا صبحا و مساء …. و لم يعجبه انني أعترضت على أن ايقافهم للمركبات بدون سبب و بعشوائية و مزاجية ليس من حقه ولن اسكت عليه …. و أقترحت عليه أن أتوقف كل يوم طوعا في طريق الذهاب و طريق الاياب ليتفقدني و يطمأن على ان الامن في ابهى صوره …. لم يعجبه ابدا كلامي و لكنه اعتذر بأنها صدفة و سوء طالع من جانبي و لربما هي سوء تقدير و خداع مظاهر من جانب الشرطي …. لم يعجبني أي من التفسيرين و لكنني مواطن كغيري مجبر على ان اشرب الماء الآسن دونما حق في الاعتراض ….لكنني لو كنت ارتديت ربطة العنق اللعينة لتجنبت كل هذا العناء ….
كنت أحاول المحافظة على قدر يسير من اللياقة البدنية في محاولة يائسة لمقاومة الكرش …. فقررت أن اترك السيارة قرب الملاعب في الكليات الهندسية و اواصل السير على الاقدام باتجاه الكليات الطبية و المستشفى و هي مسافة ليست طويلة …. لربما لا تتجاوز الربع ساعة مشيا على الاقدام …. كنت في طريقي ذهابا و ايابا اتلقى العروض الكريمة من زملاء أفاضل أحيانا و من آخرين لا أعرفهم …. الطريف بالموضوع … ليس انني أمشي !!! … ان هذه العروض من الغرباء لا تأتي الا في الايام التي ارتدي فيها ربطة العنق …. يبدو أن هذا المظهر هو جواز سفري لتجنب الفضوليين في الاماكن العامة و سيجعل طريقي آمنا من دورية الشرطة تقريبا و سيرمي الرحمة في قلوب السائقين ليوصلوني الى وجهتي داخل الجامعة …. !!!
كمواطن استكشفت طبيعة المجتمع الذي عشت بعيدا عنه لفترة ليست قصيرة …. حزنت كثيرا على ان المظاهر طغت على كل مناحي الحياة …. لذا قررت ان اتسوق نهاية ذلك الاسبوع لبدلات و لربما دزينة من ربطات العنق …..

“دبوس على ربطات العنق !”

مقالات ذات صلة
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى