المطلوب إعلام دولة وليس إعلام الحكومة !!

المطلوب إعلام دولة وليس إعلام الحكومة !!
أ.د أنيس الخصاونة

يمثل الإعلام السلطة السياسية الرابعة في الدولة بعد السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية. ومع أن مكونات النظام السياسي لا تتضمن نصوص تشريعية تتعلق بوجود سلطة رابعة ممثلة بالإعلام، فإن معظم الدول الديمقراطية تتناول الدور السياسي للإعلام بشكل يبرز أهمية هذا المكون ودوره في الحياة السياسية لدرجة أنه تم وصفه بالسلطة السياسية الرابعة في الدولة. ولعل هذا الدور السياسي البارز للإعلام ينبع ليس فقط مما يشكله من قنوات ووسائط للنقل المتبادل للأخبار والرسائل والمطالبات والحاجات بين النظام السياسي والشعب ولكن ربما لما يشكله من بارومتر أو مؤشر يعكس رضا المواطنين عن نظامهم السياسي وعن أداء حكوماتهم .ولعله من نافلة القول أن حرية الإعلام ودرجة انفتاحه تعكس مدى ديمقراطية النظام السياسي وإيمانه بحرية الكلمة، وتقبله للنقد والمعارضة ،تماما مثلما يعكس إيمانه واهتمامه بحرية الكلمة وحقوق الإنسان واحترام الدستور.
من هنا الكتاب الصحفيين يسهمون بشكل كبير في صياغة الرأي العام حيال القضايا المختلفة من خلال قراءاتهم وتحليلاتهم ونقدهم لما يحدث على المشهد السياسي المحلي والإقليمي.إنهم يسهمون في صياغة التفكير العام وتوعية الجمهور بخصوص ظواهر ومواقف وسلوكيات رسمية وغير رسمية وتثقيفه بشكل يجعل من مشاركة المواطنين وآرائهم مستندة إلى معلومات ومعرفة كافية بالقضايا المطروحة ، كما أن الكتاب والإعلاميين يسهمون بشكل فاعل في حشد رأي المواطنين باتجاهات يعتقدون أنها تخدم المصالح العليا للمجتمع .الكتاب والإعلاميين يشبه عملهم عمل المصور الحاذق الذي يعمل على التركيز على جوانب محددة من مجمل الأداء الحكومي أو الأداء الفردي لوزارة أو دائرة أو وزير بعينه ويعمل على إيصالها للناس واصفا وشارحا ومفسرا ومحللا لهذا الأداء أو القرار أو السلوك .نعم عمل الكتاب في صحفنا الرسمية وغير الرسمية يشبه عمل المصور الذي يحدد ما هي الصورة التي يريد نقلها ،وما هي خلفية الصورة التي يختارها ،وما هي الجوانب التي لا يريد أن تظهر في هذه الصورة.
كتاب الصحف الأردنية الرسمية ربما ينطبق عليهم وصف مصورين الأفراح والأعراس الذين يصورون كما يريد أصحاب المناسبة من العروسين وذويهما .إنهم يكتبون ما تريد الحكومة منهم أن يكتبوه وإلا فإنهم سيخسرون مكافآتهم الشهرية وامتيازاتهم الهائلة. كثيرون من كتاب الصحف الرسمية لا يكتبون بدافع الكتابة الصحفية الحرة والمهنية بقدر ما أنهم يستكتبون من قبل الحكومة ويدفع لهم رواتب مقابل ذلك. هؤلاء الكتاب لهم سقوف مسموحة ،وحدود في الكتابة ، واتجاهات مرسومة مسبقة يسيرون وفقها .إنهم يصورون ما تريد وترغب الحكومة في تصويره من لوحات ومناظر يبدوا عليها الفنية والمهنية في حين أن مكونات الصورة الحقيقية والقصة الواقعية لم تنقل للناس وعليه فلا غرابة أن تجد أن المواطنين لا يقرأو صحفنا الرسمية ولا يرغبون في الاطلاع عليها إلا من أجل معرفة الوفيات والإعلانات. مصداقية متدنية للصحف الحكومية ولمجالس إدارتها التي تعينها الحكومة ليس على أساس المهنية والمصداقية وإنما يتم اختيارهم للتنفيع والمكافئات السياسية، وقصة خلع رئيس مجلس إدارة إحدى الصحف الرسمية في عهد رئيس الوزراء الأسبق عون الخصاونة وتعيين بديلا عنه من أحد أصدقاءه المقربين والذي بدوره تم خلعه مرة أخرى بعد شهور قليله من تعيين رئيس وزراء لاحق وتعيين شخصية أخرى عرف عنها قربها من الدوائر الأمنية لهو خير دليل على أن طريقة اختيار كتابنا ليست ببعيدة عن اختيار رؤساء مجالس الإدارة ورؤساء التحرير في الصحف الرسمية.
أما الصحف غير الرسمية فهي أيضا تتأثر كثيرا برأي الحكومة وتسلطها عليها من خلال قانون المطبوعات والنشر الجهنمي الذي يجعل من هذه الصحف عبارة عن دمى بيد الحكومة. فالصحيفة التي تستقطب كتابا ومقالات لا تعجب الحكومة ولا تمالئها تعيش ظروفا من عدم التأكد وحرمان من أجور الدعايات التجارية والرسمية ، وللحكومة ذراع طويل يصل حتى للشركات والمؤسسات الخاصة حيث يطلب منها أن تنشر دعاياتها في الصحف المرضي عنها حكوميا وعدم النشر في أخرى تغرد خارج سرب الحكومة. من جانب آخر فإن الصحف الإلكترونية تكاد تكون الأكثر تعبيرا عن وجدان الجمهور والأكثر صدقا في تصويرها للحقائق على الأرض .نعم صحيح أن لدى بعض الصحف الالكترونية غلو أو مبالغة في النقل أو التحليل أو النقد ولكن هذه الصحف وكتابها في المجمل أكثر مصداقية في نقل الهم العام من الصحف الرسمية. وحتى الصحافة الإلكترونية تحاول الحكومة التحكم بها من خلال قانون المطبوعات الذي يتيح للحكومة أن تغلق هذه الصحف وتغريمها وحرمانها من الإعلانات الرسمية أو الخاصة التي يسيل لعاب مالكي هذه الصحف عليها من أجل تمويل نشاطاتها.
مرة أخرى أقول بأن أثنا عشر كاتبا في الصحف الرسمية أو شبه الرسمية يصورون الأحداث بالطريقة التي تأمرهم الحكومة بتصويرها وهؤلاء الأربعة عشر كاتبا أو “كتيبا “يتقاضون رواتب فلكية مقابل نقل الصورة الحكومية للأحداث والأداء الحكومي مثلهم في ذلك مثل مركز استطلاع الرأي العام في الجامعة الأردنية الذي يرينا دوما شعبية عالية للحكومات وقراراتها غير الرشيدة في الوقت الذي يتم شتم هذه الحكومات جهارا نهارا من قبل كافة شرائح المواطنين. الإعلام في بلدنا الطيب وبوضعه الحالي يمثل إعلام حكومة أكثر من كونه إعلام دولة حيث يهيمن على هذا الإعلام كتاب وصحفيين وبرامج تلفزة وإذاعة مؤيدة للحكومة في حين أن صحافة المعارضة وإعلامها يتم التضييق عليها ومحاصرتها ومحاولة إبعادها عن المشهد الإعلامي.إن المتتبع للصحافة الورقية والإلكترونية المؤيدة للحكومة وكذلك برامج التلفزيون الأردني وتلفزيون المملكة لن يحتاج إلى طويل وقت لمعرفة أن هذه المنابر هي منابر حكومة وتمثل وجهة نظر واحدة. إعلام الدولة يشمل الكتاب المؤيدون للحكومة والمعارضون لها وهم بالتالي يشكلون جناحين متكافئين ومكملين لبعضهما البعض.
الحكومات في الغرب تستمع لصحافة المعارضة وتدعمها وتدرس تقاريرها وتعدل من قراراتها ونهجها إذا ما ثبت لهم صحة تقارير هذه الصحافة. صحافة المعارضة تمكن الحكومة من أن ترى الجانب أو الجوانب الأخرى لصورة الحدث أو الموقف الشعبي أو السياسة العامة التي انتهجتها. حكومتنا تريد أن لا ترى إلا نفسها ولا تحاور إلا ذاتها فلذلك فإنها تشبه العرسان في مناسبات الجاهات والزفاف حيث يتم تركيز الصور على العروسين وبطانتيهما وعلى رئيس الوزراء الذي طلب ورئيس الوزراء الذي أعطى ويتم التهميش والتعتيم على باقي الناس الذين تجشموا عناء السفر والحضور
الحكومة تضلل نفسها وتخدع قيادتها السياسية العليا والأهم من ذلك أنها تخدع شعبها بإظهار الأشياء على غير حقيقتها. بعض كتاب الأعمدة الدائمين في الصحف الرسمية وشبه الرسمية يتم توجيه بوصلتهم من قبل الحكومة وأموالها وجزرها وعصيها، وهم بذلك وللأسف يقبلون أن تكون أقلامهم مستأجرة وموجهة لمن يدفع أكثر.إنهم ذات الكتاب الذين تراهم يستحوذون على شاشات التلفزيون الأردني الرسمي يغردون ويعزفون على لحن الحكومة ويرقصون على أنغامها في حين أن كثيرا من كتاب المواقع الالكترونية يطرحون موضوعاتهم وتحليلاتهم بحرية أكثر ومصداقية أعلى .لا غروا إذن أن تجد دوما روايات مختلفة للأحداث وقراءات متباينة لسياسات الحكومة وتصرفاتها وإنجازاتها وعلاقاتها الخارجية والمديونية والبطالة والفقر والإصلاح ومحارة الفساد.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى