المشاركة بنكهة المقاطعة!

المشاركة بنكهة المقاطعة!
أ. د أحمد العجلوني

من نافلة القول التأكيد على أن الاختلاف والاجتهاد في الآراء حول المواقف من القضايا التي تخص الحياة العامة شيء طبيعي وصحي، حيث يدلي كل برأيه من زاوية نظر وتحليل وتقدير تختلف عن الآخرين، لذلك نجد صعوبة في الوصول إلى إجماع حول قضايا المجتمع ومنها قضية الانتخابات النيابية. كما أن عرض وجهات النظر المؤيدة أو الرافضة للمشاركة في هذه الانتخابات يجب أن يتم في إطار الاحترام المتبادل وعدم الانتقاص أو الإساءة لأي طرف، لا سيما وأن الجميع يتفق على تغليب المصلحة العامة للأردن وعلى البحث عن أفضل السبل لتمكينه ورفعته وازدهاره.
على الرغم من الظروف المحلية غير الملائمة من ممارسات غير ديمقراطية وتعسف من قبل السلطة وانخفاض مستوى الثقة بها لمستويات متدنية وتخوف الأردنيين من المستقبل (أظهرها استطلاع مركز الدراسات الاستراتيجية منذ يومين) إلا أن أغلب القوى الاجتماعية والسياسية ارتأت المشاركة في هذه الانتخابات، وكانت الحركة الإسلامية ممثلة بحزب جبهة العمل الإسلامي من أبرز هذه الجهات، وذلك على الرغم من اعتقاد الكثيرين باتخاذ عكس هذا الموقف أو –على الأقل- التحفظ والتأني في اتخاذه.
وقد قدم حزب جبهة العمل الإسلامي عددا من مبررات المشاركة، إلا أنها لم تبد مقنعة للكثيرين من الشخصيات الوطنية المستقلة أو تلك المتعاطفة معهم، فهذا القرار بنظرهم (أي دعاة المقاطعة) يشوبه الكثير من جوانب الخلل، وكان يمكن أن يصاغ بشكل أفضل مما هو عليه بما يضمن تأكيد استراتيجية الحزب في المشاركة الإيجابية في الحياة السياسية والسعي نحو التغيير الإيجابي وإرسال رسالة احتجاج قوية على سوء الأوضاع التي آلت إليها حال البلد. إن الشريحة الأكبر من مقاطعي الانتخابات يأتون من الخزان الانتخابي للحزب، ومن الناخبين الذين يتمتعون بنسبة وعي واستقلال مادي وخدماتي أكبر من الناخبين الذين سيصوتون لدوافع مناطقية وعشائرية ومصلحيّة، وأعتقد بأنهم “سيعاقبونهم” بالإحجام عن التصويت.
يتمثل الخطأ التكتيكي الذي وقع فيه الحزب في إعلان نية المشاركة الكاملة؛ وبكل ثقله على ما يبدو، لأن المشاركة بهذا الشكل وفي ظل ظروف أقل سوءاً لم تكن لتعطيهم وزناً مؤثراً في البرلمان. وهي مؤشر على قبول الحزب وانقياده لمخطط السلطة في تحويل نوّاب البرلمان لمجموعة من “المخاتير” الذين ينهمكون في كتابة العرائض ومتابعة المطالبات الخدماتية والمعيشية بدل التفرغ لمهمة التشريع، خاصة بعد التعديلات الدستورية التي نزعت ما تبقى من الدسم من قوة مجلس النواب التشريعية. وقد أثبتت السنوات الماضية بأن ثمار جهودهم في غالبيتها (رغم ما يعلنونه من إنجازات!) لم تتجاوز حدود رفع الصوت بالبرلمان وتقديم استجوابات وأسئلة لم يكن لها تأثير فعلي على أرض الواقع الذي ازداد سوءاً، ولم يؤثروا بأي قرار جوهري من اتفاقية الغاز إلى التعديلات الدستورية وغيرها الكثير.
كما أن قرار المشاركة بهذا الشكل مفيد جداً للسلطة لتحسين صورتها من خلال إضفاء الشرعية الشعبية على الانتخابات أمام الرأي العام وأمام الدول الغربية والمنظمات الحقوقية التي تراقب المشهد الأردني، وهي فرصة لجرّهم إلى خانة التحجيم على الأرض بحجة مقارنة عدد نوابهم (الذين لا أعتقد بأنه سيزيد عن 7-10 نواب في أحسن الأحوال).
لقد كان الأجدى أن يعلنوا مشاركة رمزية بعدد محدود من المرشحين في دوائر محددة فقط. فهم بذلك سيحققون الإيجابيات التي يسوقونها لتبرير مبدأ المشاركة من ضرورة إثبات إيجابيتهم ومشاركتهم في الحياة السياسية وعدم الانكفاء وإيصال صوتهم؛ وبنفس الوقت تنزع من مشاركتهم نسبة كبيرة من شرعية الانتخابات في ظل أوضاع أبعد ما تكون عن الحرية والديمقراطية. لأن ما يميزهم هو الطابع السياسي للمشاركة وليس الخدمي، فالرسالة السياسية يكفي أن يوصلها نائب واحد أو اثنين، أما الخدمات فليس لهم فيها إلا مجال محدود جداً مقابل محاسيب السلطة الذين يبتزون الشعب بسبب الحاجة الاقتصادية والخدمية، ويمارسون التزوير بالتواطؤ مع السلطات الحكومية قبل عملية الانتخابات وقبل صناديق الاقتراع. وإن أية خدمات يمكن أن يجنيها نواب المعارضة لناخبيهم لا تعدو كونها “فتات إنجازات” للبقاء على خيط المشاركة والتوهّم بجدوى مشاركتهم!
إن طبيعة العمل السياسي تتطلب مرونة في التعامل مع الظروف المختلفة ضمن نطاق الإمكانيات الذاتية وهامش المناورة المتاح، وهذا ليس بالأمر الهيّن خاصة للأحزاب الكبرى ذات الأهداف العريضة في ظل ظروف معقدة وغير إيجابية. وبالتالي فإن تحقيق التوازن بين المشاركة وعدم تحمّل مسؤولية مرحلة خطيرة يواجهها الأردن وليس للقوى السياسية تأثير في مسارها تتطلب الاهتمام بمناقشة خيار المشاركة الرمزية بشكل جدّي من قبل كل الفاعلين السياسيين من الأحزاب والشخصيات الوطنية المستقلة ذوي التوجه الوطني وليس جبهة العمل فقط.

حفظ الله الأردن؛ حرّاً آمناً مزدهراً

مقالات ذات صلة
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى