المستقبل المبهم المستجد وتحدياته !!

المستقبل المبهم المستجد وتحدياته !!
اسماعيل أبو البندورة

الأمر الذي لاشك فيه أن الأيام القادمة سوف تطرح علينا أسئلة ملحة ومدببة من نوع مغاير قد تحدث انقلاباً على الرتابة الكونية السائدة وانتظامية العالم التي تعودنا على القبول بمفرداتها واكراهاتها قسرا أو اختيارا ، وبتنا بشكل أو بآخر أسرى لها ، ذلك أن الكارثة الراهنة المرافقة للوباء الجحيمي سوف تفتح صفحة تاريخية ارغامية نوعية وانقلابية تحتم على الجميع دولا وشعوباً أن تخط فيها وعليها رؤاها ومعطياتها وافتراضاتها حول مايجب أن تكون عليه العلاقات والمؤسسات والمستقبلات البديلة ، ومايجب أن تتوافق وتتحدد وتجتمع الآراء حوله لتجاوز مجلوبات الكارثة المستجدة .
الآن نرى العالم راجفاً متشظياً مرعوباً ومضطرباً إلى حد كبير وأمامه سؤال الفناء والانقراض ، ويراها الجميع قيامة تجريبية سوف لا تبقي ولا تذر في حال استفحالها وامتدادها ، ونرى العدو مشترك ومخاتل وقاتل ولا مجال حوله وفيه للكلام بقدر ما هو مطلوب من اجراءات فعالة واستعجال واستدراج وابتكار للحلول ، تلك هي القضية والحقيقة الغائبة والغامضة التي يشاء البعض ويستسهل التعامل معها بالامنيات والهذاءات والرجاءات وهم يرون استفحالها وفجائعيتها المنتظرة.
نعرف أن في المجتمعات “كما نفترض” قدرات كامنة وغير موهومة على مواجهة مصائرها مهما تنوعت وتفاقمت كماً ونوعاً ومهما جلبت معها من آلام وفواجع ، لكن الأمر يبقى في كيفية وعي التحدي واستنهاض هذه القدرات وتكييفها مع المستجدات والتحديات التي قد تتولد في بعض اللحظات الخطرة والمباغتة . وعلينا هنا أن نستذكر ( حتى ولو من خلال ذاكرات مشوشة حالياً ) المشهد النموذجي والارشادي الذي خلقه الإنسان الفلسطيني الأعزل في الانتفاضة الأولى وإيحاءاته الهامة ،عندما نجح في خلق إرادات وتضامنات مجتمعية واجهت الحصار الصهيوني وحافظت على استمرارية الحياة في البيت والشارع وكل مناحي الحياة ، وأسست وتكوينات مجتمعية تطوعية عملت على مداومة التدريس والأمن وكل أوجه الوجود الحيوي المتحدي ، وتغيرت على ضوء ذلك التقاليد والعادات المعتادة ، وانبثق مجتمع جديد فيه تضامن وتآلف وقدرة وإصرار راسخ على الحياة ، وحاصروا حصارهم بطريقة ملحمية .
هذا كلام ليس للتهويل أو التهوين بقدر ماهو دعوة لخلق ادراكات جديدة حول كارثة تتحرك بسرعة حادة وشمولية وتعد بانقلابات كونية قد تغير صورة العالم الحالي ويقيناته وتهدد مستقبله . وقد لاحظنا ولا نزال دولا كبرى تترنح وتتخبط وتتحول إلى كيانات وأوطان مذعورة ومساحات جغرافية موحشة يفرّ فيها المرء من أخيه وأمه وأبيه ، وهي لا تزال في المراحل الأولى للقارعة وأمام دهشة غرائبية فريدة نوعها ومعطياتها .
الادراكات الجديدة المقترحة والمفترضة وغير النهائية قد تبدأ باستشعار خطورة الكارثة وآثارها الكاسحة القادمة ، باستنهاض المجتمعات للمشاركة والمعالجة ، باقصاء الرؤى السحرية والحلمية والفكر الرغبي والينبغيات ، بالاقبال على تغيير العادات والسلوك ، بالمزيد من التضامن والإيثار ونكران الذات ، بخلق فضاءات جديدة للتحاور حول الحاضر والمستقبل ، برفع المناعة الاجتماعية للدرجة القصوى ، بعدم الاستسلام للعدمية والانسداد والفناء ، بالعمل على مداومة الحياة واستمراريتها .
كل مرّ سيمرّ .. ليس للدنيا مقر ..وليالي الحزن في الآخرة يمحوهن فجر !!

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى