الفلوس وطأطأة الرؤوس!! / د.ماجد توهان الزبيدي*

الفلوس وطأطأة الرؤوس!!

كان سالم الحمد العلي المريعي من سكان منطقة الغور شابا فقيرا من أسرة معدمة “تحرث على الديك” وتعيش على أمل مؤجل لنهاية موسم البندورة والباذنجان ،وهو أمل قلّما تحقق ،لكن الناس هناك كانوا ومايزالون كالفراش يحوم حول نور قناديل النور التي كنا نشعلها في ليالي الخبام وبيوت الشعر لعهد قريب !!

درس سالم في معهد حوارة والصريح وشطنا شرق مدينة اربد لمدة عامين دراسيين هما في الواقع عشرة شهور زمنية حقيقية ،كان خلالها يضطر احيانا لقطع المسافة من كراج الغور القديم لمبنى المعهد سيرا على قدميه،وهو مشوار كفيل بشق معدة ثور مصري صعيدي او حمار قبرصي في قرى جبال “فماغوستا”او “آيا فارفارا”!!وذلك لتوفير عشرين قرشا لشراء رغيف سادويتش فلافل من ميدان الساعة بالمدينة وربع علبة دخان من ماركة فيلادلفيا او جولد ستار !!

تخرج قريبنا سالم بدبلوم الإجتماعيات وعمل مدرسا في قرى الشونة الشمالية المليئة بالصبايا ذوات العيون الخضراء والزرقاء والخدود الوردية كبنات قرى كشمير المرتفعة!!او خدود بنات حلب ذوات الأصول التركية والجركسية!ولم يكن راتبه ليكفيه ووالديه ونصف دزينة من القواريط والقاروطات من أشقاءه وشقيقاته مما يعني انه لن يتمكن من بناء بيت بلوك مستقل له او حتى الزواج من فتاة غير عاملة حتى ولو كانت “خولة” ابنة خاله التي كانت تعشقه بصمت وتستمتع كلما زارهم وأكل عندهم بصب الماء من ابريق الوضوء على يديه!لكن والدها بعد التشاور مع اعمامها اخرجها من الصف الأول الإعدادي لإعتقاد الأعراب بالمنطقة أن هذا المستوى من التعليم يكفي البنت كي تفك الحرف و”تقرأ المكتوب “في وقت كانت قبائل عديدة شرقي النهر وغربيه لا احد فيها يفك المكتوب في النصف الأول من القرن الميت المرحوم ،في حين كان “أبناء عمومتنا “الغزاة يندر ان تجد من بينهم من رجل أو إمرأة أمية بإستثناء الخواجا “يعقوب”حارس البيّارة الذي هاجر لبلادنا من “حي البتّاوين” في وسط العاصمة بغداد في اربعينيات القر الميت ذاتهّ !!وكان بني قومه في ارضنا يزرعون الزراعة البلاستيكة، ويروون بالتنقيط،وكان ربعنا منغمسون بثقافة”عد رجالك وأرد المي”و”لحد وأنا أخو صبحا”!!

مقالات ذات صلة

لكل هذا وذاك قرر المعلم سالم الإرتباط بمعلمة مدرسة من “الشفا”لم يرها قط من قبل بل خطبتها له شقيقته المتزوجة هناك ،وكانت تكبره بنصف عام ،طمعا في راتبها وعلى أمل أن ينتقل صاحبنا للعيش في بيت في حارة كراج الغور غربي محل حلويات فواز السلطي بنصف كيلومتر وهي حلويات يذوب فيها جماعتنا كلما هبطوا مدينة عروس الشمال التي لاينقصها سوى رحمة ربنا والماء !!

كانت المعلمة” زريفة” متخصصة بالتربية الرياضية وطول أصابع يديها من 14-17 سم للواحد منها!! لكن الكاتب تذكّر المعلم سالم اول من أمس بعد غياب دام حوالي 16 عاما عندما قابل الشيح “زين العرب ابو مسباحة” أقرب الناس للمعلم سالم ، الذي أخبره بمعلومات صادمة جدا عن حياة الرجل الضحية ،منها أن حرمه او زوجه زريفة اصدرت قرارا بفرض الإقامة الجبرية على بعلها لمدة شهر وربع الشهر في بيت والدته في منطقة حفر الإنهدام، وإتقانها لهواية ضرب “البوكسات” على وجنتي الرجل ،وإضطراره لإفطار كل شهر رمضان بمفرده في مطعم طلفاح الشهير بطبخاته المناسبة لعربنا من سكان الحفرة وخاصة المناطق الواقعة الى الشمال والجنوب من “خربة بلاش تهجرني ياحبيبي”والكامب!!

وأضاف الشيخ ابو مسباحة كلاما قاسيا لا يستطيع الكاتب نشره لبشاعته وقسوته ،مما اضطر الكاتب لسؤاله ان كانت خولة مازالت عزباء ام لا؟ لعل المعلم يعود لها وهي اللطيفة والطيبة والعاشقة له ،فأجاب الشيخ ابو مسباحة بعد ان خن ومسح ريالته وشط وغط! وفطّ وعط وعفّط ونطّ:”إتق الله يادكتور!!أتريد لقريبنا المعلم سالم ان يعود لوالديه لحمة شقف وكباب بكيس نايلون “؟؟!!

تركت الشيخ ومشيت بدربي وأنا اقول لنفسي:”لخولة وعريشتها وبراكية عمري البدندي وقصص “رورو” و”الدرديسي” عن احتيالهما على العمال المصريين أفضل الف مرة من العيش مع زريفة او هيفاء وهبي!!!5/9/2016

mzubidi2008@gmail.com

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى