الفساد الأعظم / د . مروان الشمري

الفساد الأعظم
عندما تخشى الدول من مواجهة الفساد المقيم

شهدت الحضارات الانسانية على مر العصور مختلف انواع الفساد وفِي مختلف طبقات المجتمع حيث يجمع المؤرخون على إنه ما من حضارة إنسانية قامت وعمرت في الارض ثم انهارت الا وكان الفساد مكون جوهري من منظومة العوامل التي أدت الى افول نجمها.وفي جوهريات البحث الفلسفي العلمي نجد ان المحللين قد اجمعوا على الدوام بأن هنالك تحالف شبه دائم بين طبقتين رئيسيتين في تلك الحضارات والدول التي أفل نجمها وهما طبقة رجال المال الذين تكفلوا عادة بضمانات الرفاهية وما يستلزم ديمومة الحصول على المنفعة والامتيازات الاحتكارية للطبقة الاخرى الا وهي طبقة صناع القرار التنفيذي وهي ما يعرف اصطلاحاً في عصرنا الحاضر بالحكومات.

ان من اهم الدروس والعبر التي يركز المهتمون بدراسة التاريخ عليها هو الأفادة من ما حصل وما شهدته الحضارات والامم والدول من احداث وتطورات وتفاعلات قادت الا نتائج سواء كانت إيجابية أم سلبية بحيث يتم البناء عليها وتعظيم المنافع المتحققة من العبر المستوحاة من تلك الدروس والاحداث وان كانت سلبية يتم تجنب العوامل والظروف والاسباب والاحداث التي أدت لحدوثها،وحيث ان الاستهلال التاريخي الذي بدأنا به هذا المقال يركز على احد اهم المكونات الحيوية التي أدت لانهيار امّم عظمى ودوّل كبرى وحضارات كاد يظن المرء يوما انها لن تزول أبدا،فأنه يتبين مما لا شك فيه وبمنتهى الموضوعية ان احد اهم أسباب تطور ذلك المكون الجوهري الى درجة الفتك بتلك الكيانات الكبرى هو ذلك الغطاء الذي توفر للتحالف الشيطاني بين تلك الطبقتين وهنا لا بد من التنويه ان ذلك الغطاء قد تم توفيره تحت مسميات مرعبة للعامة والطبقات الاخرى المسحوقة ومنها الترهيب والتخويف والتهديد باستخدام الأدوات التي امتلكتها تلك الطبقتين لضمان الصمت الطويل لكل المتضررين من ممارسات وأفعال رجال المال ورجال السلطة وعلى سبيل المثال لا الحصر فأن احد الظواهر والمشاهد التي تتكرر في قصص تلك الامم الغابرة هو ان الغالبية من الناس كانت تعمل ليل نهار في مصالح وأعمال يمتلكها رجال المال ويشاركهم في منفعتها رجال السلطة في الوقت الذي تحصل فيه تلك الغالبية الكادحة على القليل القليل الذي لا يكاد يكفي لسداد ابسط احتياجاتها كما اننا لا ننسى ان الامر قد وصل في كثير من الحالات الى تملك الأشخاص أنفسهم من تلك الطبقتين،وبحجم المكاسب والحوافز والامتيازات التي كانت تتمتع بها تلك الطبقتين كان حجم الاحتقان والغضب والحزن والاسى وتراكم الشعور السلبي والاحباط يتزايد ويتصاعد بمعدل متسارع حتى بلغ الحد الذي تكسر عنده حاجز الخوف من الآتي وحاجز الرغبة في الكفاف وحاجز حسابا الحياة والموت وحاجز الحفاظ على العائلة وحاجز الرغبة في عدم المواجهة فانطلقت تلك المكنونات المختزنة طويلاً والتي عبر الزمن تعرضت لعوامل الضغط الهائل والحرارة السلبية فتحولت لطوفان لم يعد يخضع لأي اعتبارات عقلانية أو عملية فقد تلاشى الامل واغلق أفق اَي ضوء قد يرى في آخر النفق فيبعث الأمل لدى تلك الغالبية الكادحة بعدما شعروا بان رجال المال ورجال السلطة قد أغلقوا مخرج النفق الذي يطل على العالم المضيء المزدهر فتلاشت لديهم كل المحفزات على استمرارية العمل والبناء وفقدوا الرغبة في البقاء بعد ان اصبح وجودهم عدميا تداعت أركان كيانهم وأهمها كرامتهم والامل بمستقبل أفضل لابنائهم فقرروا ان الحل الوحيد لكسر الباب المغلق وفتح الطريق لابنائهم هو في وضع حد للوضع الذي كان قائما فكان الزوال للجميع. غير انه في حالات اخرى استطاع العقلاء في الطبقات العليا لبعض الحضارات والامم ان يفضوا ذلك التحالف الشيطاني ويزج بأركانه خلف القضبان بعد ان تيقنوا بأن بقاء حضارتهم ودولهم بات مهدداً فقرروا ان بقاء الدول اهم من استدامة منافع أفراد النخب وقرروا ان العدل وسيادة القانون ومحاسبة اللصوص ومحاكمتهم جميعاً ومصادرة ممتلكاتهم هي الحل الوحيد لضمان ديمومة الدول بمكوناتها وبما يضمن استمرارية وجودها ككيان مستقل ذو إرادة وسيادة يشعر فيه الجميع بالرغبة في اداء الواجبات والابداع فيه حباً وانتماءاً وإيماناً بذلك سبيلا لاستحقاق الحقوق والمنافع والحقوق والخدمات وكان ذلك هو الطريق والمسار والفلسفة التي مكنت دول العالم الاول من النمو والتطور والازدهار بعدما جعلت من الكفاءة معيار لاستحقاق المواقع والقيمة المُضافة مقياساً لأي حافز إضافي ومن سيادة القانون على الجميع أساساً لتعميم وترسيخ الشعور بالعدل ومن الحرية في التعبير سبيلاً لتعزيز الشفافية وروح المسؤولية لدى كل الأفراد داخل المجتمع فلا يختبئ احد خلف صفة اعتبارية أو جهوية أو قبلية فالكل سعيد.

مقالات ذات صلة
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى