الفاتحة..

الفاتحة..
د.فلاح العُريني


عدت من عمان قبل اسبوع إلى الطفيلة حيث الاصالة والتهميش، حيث الكرم والفقر، حيث الصرخة والصمت..
وكان برفقتي اثناء عودتي صديقاً عزيزاً، وهو مني بمنزلة الأخ..
فقلت له احملني او احملك، اي حدثني انت او احدثك انا، فوقع الخيار عليه مبتسماً..
فقال لي:
يروي لي صديقي إنه كان يقف على جسر مادبا ينتظر سيارة خصوصي تعمل لوجه الله تعالى، لتقله إلى الطفيلة، او اقرب اليها..
الكثير من المركبات تمر من امامه مسرعة غير مبالية لحركة يده اليمين التي تلوح عالياً لعل احدهم يشفع ويقف..
فإذا بسيارة من الطراز الحديث تقف امامه ويستقلها رجل وسيم وعريض المنكبين وطويل القامة، يرتدي بذلته المطرزة وربطة عنقه الفاخرة، ورائحة العطر تلوح من تحت ابطه عكس ما انا عليه الآن..
نظر لي بأدب واحترام وطلب مني الصعود في المركبة..
ركبت بأمان الله شاكرا له صنيعه..
سألني: إلى أين هالوجه الكريم..
اجبته: إلى الطفيلة يا ابن الاكرمين..
فقال لي: ساوصلك إلى جسر القطرانة، ثم تنتظر نصيبك..
فباركت صنيعه، وسارت بنا المركبة حتى اقبلنا على منطقة سواقة، وهي تمثل بداية الجنوب..
هناك اعطى السائق الوسيم غماز اليمين وتوقفت مركبته على اقصى يمين الشارع بكل هدوء وسلاسة، واستأذنني بالنزول..
نزل من المركبة وكنت أظنه يريد قضاء الحاجة..
لكنه ابتعد عن رصيف الشارع حوالي عشرة امتار وتوجه بوجهه نحو الجنوب وباتجاه القبلة تماما، ورفع يديه إلى السماء وقرأ الفاتحة ومسح بوجهه الصبوح المورق باحلى الجنان وعاد إلى مركبته وانطلق متابعا سيره..
من باب الفضول سألته:
هل يوجد هنا قبر لأحد احبابك وقد قرأت الفاتحة عليه؟
اجابني بالنفي..
ثم سألته مرة أخرى:
هل وقع في هذه المنطقة حادث سير وتوفي بعض من تعرفهم؟
ايضا اجاب بالنفي..
ياهذا: حيرتني معك، ما الامر إذن؟
وما الباعث او الدافع وراء وقوفك في هذه المنطقة تحديدا وقراءتك الفاتحة؟
اجابني بعد تنهيدة طويلة وقال:
اسمع ياصديق الصدفة:
انا من سكان العاصمة عمان، وليس لي احد في الجنوب، ولكنني تعودت كلما ذهبت الى اي محافظة من محافظات الجنوب لغرض ما، ان اقف في هذه المنطقة والتي تمثل بداية الجنوب، واقرا الفاتحة على روح الجنوب..
جنوبكم مات رغم انه مصدر الاقتصاد الوطني..
جنوبكم سُرِقت خيراته..
جنوبكم شبابه بطالة ونسائه غارمات وانتم على بحر من الثروات..
جنوبكم يصرخ من الجوع والفقر والحرمان، ولا احد يسمع..
الا الله.. الا الله.. الا الله..
نعم..
جنوبنا مكلوم وشمالنا محروم،
ياوطني.. لاربح الله من باعك.

مقالات ذات صلة
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى