العيد .. بين الأمسِ واليوم …

#العيد .. بين #الأمسِ و #اليوم

#سائدة_العبداللات
أيام العيد ترسخ في الذاكرة ؛ تغذي الروح بذكريات تداعبها بقية العمر، حين تشتاق الذاكرة لماضٍ جميل ما عاد منه سوى الذكريات ..
على مر العصور بقيت الأعياد تحمل معاني سامية لم تتغير أو تتبدل؛ كذا هي فرحة العيد والابتهاج بقدومه وانتظاره، لكن ما تغير اليوم عن الأمس هو تلك السلوكات المجتمعية التي طرأت واستجدت بدوران عجلة الحياة للأمام بديناميكية العصر المتسارعة بلا توقف.
كل هذه الأحداث والتطورات خلقت فروقاتٍ واختلافات سواءً في الاحتفاء بالعيد أو ترقبه وانتظاره ؛ فهويتنا وهوية أعيادنا هي ذاتها ، إنما هي السلوكات وظروف الحياة ما تغيرت وتغيرت معها تباعا عادات وسلوكات اجتماعية مرتبطة بالأعياد جزئيا وليس كليًّا .
اختلفت الأعياد عن السابق بتزايد أعباء الحياة وتسارع التقدم في كل مناحيها والذي أخذ بالامتداد على حساب هذه التقاليد ؛ فغير في العيد بعض العادات إلا أن العيد كان وما زال فُرصة لتجديد العلاقات بين الناس؛ سيّما أن حياتهم اليومية لم تعد تتسع لذاك التواصل وتلك الزيارات، والتي حلت محلّها بشكل كبير وسائل التواصل الاجتماعي؛ ما صرف الناس عن هذه الزيارات وذاك التواصل المباشر ؛ فأصيبت حياة المجتمع بفتور – إن لم يكن برودًا – في الترابط والتآلف لم يكن موجودًا في السابق؛ حيث كانت الحياة اكثر حميمية وتواصلًا .
قديمًا كان انتظار العيد مظهرًا حياتيًّا يحاكي العيد في الفرح والبهجة، انتظار قدومه والاستعداد لاستقبال هذا الضيف المحبّبِ العزيز ؛ لما له من حفاوة ومحبة في القلوب للكبير قبل الصغير، اليوم نرى العيد بمنظور آخر، يختلف كثيرًا عن ذي قبل ، قلّت الفرحة به وانحسرت في قلوب المعظم حتى غدا عند البعض عبئًا ثقيلًا يرجو اجتيازه بسلام لأسباب ليس مجال ذكرها هنا ، فتراجع مذاق العيد إلى حد كبير وما عاد مدعاة للغبطة والبهجة؛ ولعل رياح العصرنة والتقدم قد عصفت بموروثنا الشعبي والتقاليدي فغيرت الكثير الكثير من تقاليد العيد لتغيب عنا في أعياد اليوم .
زيارة كبير العائلة الممتدة والتجمع من قبل الجميع عنده تقليد مقدّس وواجب اجتماعي، واحتفال بالعيد لا يمكن تجاوزه؛ وتناول طعام الإفطار عنده ؛ خاصة في عيد الفطر بعد انتهاء شهر رمضان المبارك، احتفالًا به وفرحًا ؛ عادة كانت سائدة في السابق لا يمكن التفريط بها ،بينما اليوم يقتصر الاحتفال بالعيد على زيارة الأقارب من الدرجة الأولى لبعضهم، مهنئين بالعيد بطريقة مختصرة عن ذي قبل، فالحياة لم تعد تسمح بأكثر من ذلك ، كلٌّ لديه ما يشغله ويشغل وقته .
وكمظهر من مظاهر العيد المميزة قديمًا ، والمحببة لدى الجميع معمول العيد؛ إنه احتفالية بحد ذاته وعيد عائلي في كل بيت؛ إذ ينهمك أفراد الأسرة بتحضير المعمول وخبزه، وقد يكون فرصة لتجمع نساء الحي، كل يوم في بيت للتعاون والتشارك في عمله؛ كنوع من أنواع الترابط الاجتماعي ما عدنا نراها اليوم بغض النظر عن المسببات والأسباب، لم تعد رائحة المعمول تفوح من البيوت في أواخر رمضان كما كانت في الأمس ..
الملاهي كما كنا نسميها وما أدراكَ ما الملاهي ؛ نظل طوال العام نحلم بالعيد وننتظره لنذهب إلى الملاهي ونلعب بالألعاب الموجودة هناك ونحتفل بالعيد وفي اليوم الأول تحديدًا ، فالعيد مرتبط بالملاهي، ولا يمكن تصور العيد دون الذهاب إلى هناك ، وعند الوصول تحس أنك صعدت للقمر، ووصلت بك السعادة أقصى درجاتها، اليوم ما عاد هذا التقليد مميزًا للعيد ، ولا مقتصرًا عليه، حيث أصبحت الألعاب الإلكترونية هي المفضلة عند الأطفال واليافعين، والذهاب للمولات برفقة أصدقائهم أكثر أهمية و أشد ضرورة، ربما هي الحياة وتقدمها واختلاف المتعة من جيل إلى آخر سبب ذلك ومرجعه ..
ملابس العيد، ذلك الحدث الذي يشغل بال الأطفال منذ بداية رمضان؛ الذهاب للسوق وشراء ملابس جديدة للعيد، يحتضنونها كل ليلة، وتُلبس عدة مرات قبل العيد ( في بروفات للهيئة والهندام يوم العيد ) والنظر إلى المرآة بغبطة وسرور، وأعتقد أن هذا المظهر الجميل من مظاهر العيد لم يطرأ عليه كثيرًا من التغيير؛ فما زالت الملابس الجديدة عند الأطفال هي فرحة العيد الكبرى، لا تضاهيها إلا فرحة اليوم الأول للعيد وجمع العيديات والتي لم تتغير هي الأخرى، وحافظت على بقائها نكهة من نكهات العيد ..
يبقى العيد عيدًا بمفهومه وفرحته عند الأطفال واحدًا على مر الأيام، لم يطله تغيير ولا تبديل؛ هو ملابس جديدة وزيارات عائلية وعيديات تجمع وتجاوز عن الكثير مما لا مجال للتجاوز عنه في غير العيد ، وهذا بحد ذاته أمر محمود جميل؛ يبعث على التفاؤل والاستبشار؛ فضحكات الأطفال تضفي الجمال على الحياة وتحيي الامل بقادم مبهج ..

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى