#العقل_زينة

#العقل_زينة

د. #هاشم_غرايبة

كنت أشاهد برنامجا ثقافيا عن أضخم الإنجازات التي تمكنت الهندسة من صنعها، ومنها أكبر رافعة في العالم، وهي من صنع الصين، استطاعت أن ترفع برجا وزنه أربعة آلاف طن، ثم أنزلته في المكان المحدد لتثبيته، من غير اي انحراف.
لا شك أنه إنجاز مذهل، سيدفع كل من يراه للإنبهار، والإعجاب بالتقدم الذي أنجز، أغلب الناس سيسألون عن الشركة الصانعة لكي تنال منهم الإعجاب والتقدير، الفئة الأعلم من بينهم سيسألون عن المصمم، فهو الأجدر بالتقدير، لكن الأعلم من كل هؤلاء سيبحثون عمن أوجد هذا العقل ذي القدرات الفائقة التي مكنته من تصميم هذه الآلة، والذي سيصمم بلا شك ما هو أكثر ابهارا منها مستقبلا.
إنه العقل إذاً، ..ذلك الجزء الذي مازال مجهولا، مكانا ووظيفة وآلية عمل وحدود قدراته، أليس من أنشأه بهذه المواصفات هو أحق بالإعجاب!؟.
ولو أتى عالم فطحل في علمه يتفرج على المشهد، وقال: يا لعبقرية الرافعة الأولية التي وجدت صدفة.. فطورت نفسها بذاتها عبر العصور حتى وصلت الى هذه الصورة.
حتما سينعته الجميع بالجاهل قائلين: وهل يمكن أن توجد هكذا آلات بالصدفه!..إنها تُنشأ إنشاءً، ولو بقيت في ساحة الخردة ما بقيت، ما استطاعت أن تطور نفسها قيد أنملة.
فإن كان من المستحيل أن توجد هذه الآلة بالصدفة، فهل العقل الذي ابتكرها وسيبتكر ما هو أعظم.. هل وجد بالصدفة!؟.
فأي شخص قعد به عقله عن إدراك هذه الحقيقة البدهية، لا شك أنه جاهل، ولن تشفع له درجته العلمية، ولا حتى لو نال جائزة نوبل في حقل علمه، في رفعه من وهدة الجهل هذه.
عندما يتأمل الإنسان في العقل وقدراته الهائلة، يتوصل الى نتيجة منطقية وهي أن الله ما خلق هذا باطلاً، ومثلما أن هذه الرافعة الهائلة القدرات، لا يمكن أن يكون صنعها صانعها لمجرد التسلية، فإن العقل لا شك أن من خلقه بهذه القدرات لم يخلقه لمجرد أن يدل الإنسان على أماكن اللهو وأشهى الأطعمة، ولا يمكن أن يكون صنع الكون لكي يستلقي المرء على ظهره ليلا، يتفرج على جمال القمر والنجوم.
لا شك أنه خلقه لأمر جليل وهو أن يستدل به الإنسان على خالقه، ويعرف علة وجوده ومبرر وجود كل ما هو موجود.
علة منح الخالق العقل للإنسان، لكي يكون دليلا مرشا اليه أولا، ثم الى مصالحهم ومنافعهم ثانيا، لأنه شاء أن يكون خفيا عن الإدراك بمدارك البشر، ليبتليهم أيهم أحسن عملا، فجعل في كينونة هذا العقل آية، وجعل في أنفسهم وفي كل ما يحيط بهم دليلا على أن وراء كل ذلك خالقا، تتبدى عظمته في دقيق صنعه وكمال أدائه.
لذلك كلما تقدم الإنسان في العلم ازداد يقينا بوجود الله، ومع ذلك فما زال هنالك من يجادل في ذلك، هؤلاء هم من فئة ذلك الفطحل.
لكن هنالك من يجادل بأن الله موجود لكنه خلق الكون وتركه لحاله، وأن الأنبياء هم مجرد مصلحين ادعوا الإتصال بالله لكي يصدق الناس دعوتهم، هؤلاء هم المكذبون بالدين.
هؤلاء لا ينفع معهم الإقناع ولا المحاججة، لأن أهواءهم غلبت عقولهم، فيشككون بالدين كونه يتعارض مع ميلهم الى التحلل من متطلباته، ومع أطماعهم التي يقف لها الدين بالمرصاد.
فحتى من عاصر منهم زمن النبوات وشهد بعينيه المعجزات لم يؤمن، ولو بعث الله أنبياء آخرين بمعجزات حسب طلبهم لن يؤمنوا.
لذلك أرسل الله مع خاتم الأنبياء معجزة دائمة باقية الى يوم الدين، ولم يتمكن أحد من نقض إعجازه الذي تحدى المكذبين بالإتيان بمثله ولا بعشر سور ولا حتى بسورة واحدة.
إن هؤلاء ليسوا أهدى من صاحبنا الفطحل، فهل يتقبل عقلهم أن يسمح مالك تلك الرافعة الثمينة بتشغيلها إلا في أعمال مجدية، أو يتسامح مع من يستعملها لمجرد اللهو والتسلية؟.
فلذلك لا بد من يوم الحساب لتحقيق العدالة بين من التزم ومن تخلى، ولما لم يكن للعادل الحكيم أن يحاسب من غير تكليف ولا من غير بيان المحظور والمسموح، لذلك كان الدين وكانت الرسالات.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى