العقل زينة

العقل زينة
د. هاشم غرايبه

تحت هذا العنوان، لا أطمح الى اقناع المكذبين بالدين، فهؤلاء لا يغير في قناعاتهم الدليل العقلي، فمن كان قبلهم رأوا #معجزات قاهرة للعقل ولم يؤمنوا، وإنما هدفي هو تعزيز إيمان المؤمنين والربط على قلوبهم في مواجهة #المنافقين الذين لا ينفكون عن محاولاتهم صدهم عن منهج الله، ومنها زعمهم أن الطب والعلم والإختراع يحتكره الكفار، وان تقدمهم فيه بلغ حدا أن جعلوا متوسط الأعمار أعلى مما كانت سابقا، مما ينقض أن الآجال مقدرة.
آجال البشر قطعا لا يمكن معرفة موعدها ولا تأخيرها إن حضرت، لكن إن كانت الرعاية الصحية أصبحت أفضل، فذلك من تقدير الله ومما علمه للناس من فهم للعمليات الحيوية الفائقة الدقة، ومن استخدامات لعقارات أوجدها في نباتات لهذا الغرض.
من إفراط تعودنا على أن الأمور تسير دائما كالمعتاد من غير إعاقة أو تغيير، اعتقدنا أن ذلك يتم تلقائيا وبلا تدخل من ضابط لهذه الأمور أو منظم لدوام أدائها، انقطاع الكهرباء لفترة وجيزة ذكرنا بأهمية استمرارها، وأنها المحرك لكل هذه الأجهزة المفيدة: فالثلاجة إن انقطعت عنها الطاقة الكهربائية تغدو مجرد صندوق يتلف به الطعام إن بقي ساعتين بدل أن يحفظه لأيام، والمكيف يغدو كتلة صماء لا نفع منها، وكذلك الحاسوب والهاتف والتلفاز .. جميع ما كان نافعا غدا بلا قيمة.
هذا ما نلحظه في بضعة أجهزة كمالية تنفعنا ولكن قد نستغني عنها، فكيف إن انقطعت الطاقة التي تزود أجهزة معقدة التركيب بالغة الأهمية مثل القلب والرئتين والدماغ والكلى .. الخ، لا بل إذا تعطل عمل جهاز أقل من ذلك خطورة بحيث تبقى الحياة مستمرة ولكن من غيرها كحاسة الشم مثلا، حيث أنها قد تتعطل جزئيا ومؤقتا في حالة الرشح، كم يسبب ذلك من إزعاج للشخص وينتظر زواله بفارغ الصبر!.
قبل مائتي عام، من كان سيقنع الناس أن تيارا كهربائيا غير مرئي ولا محسوس هو وراء تشغيل كل تلك الأجهزة الرائعة الأداء!؟..لا شك أنهم كانوا سيعتقدون أنها تعمل تلقائيا أو أن الجان هو الذي يشغلها.
لذلك لا يستغرب أن تجد كثيرا من البشر قد قصرت عقولهم عن #الإيمان بما هو غير مرئي ولا مدرك، فيظنون أن الحياة أمر مادي يحققه وصول الأكسجين والجلوكوز الى خلايا الجسم، ولا يؤمنون بأن ما يبث الحيوية في كل الكائنات الحية أمر غير مادي ولا معروف طبيعته يسمى الروح.
الأطباء يعلمون أن وصول الدم بما يحمله من الأوكسجين والغذاء هو الذي يمد الخلايا بالطاقة لكي تؤدي وظائفها، لكن ليس ذلك ما يبقيها حية، فقد بات بالإمكان إبقاء ذلك التزويد دائما بوسائل العناية الحثيثة، لكنهم لم يمكنهم من منع موت أحد.

كل وظائف الأعضاء تؤدى بدقة تبلغ الكمال، ولا تحتاج الى إراحة أو صيانة: فالقلب مثلا ينبض بانتظام ولكن ليس بنسق واحد، بل بنبضاتٍ كهربائية مُنشئةٍ لتمدد وتقلص عضلات القلب بشكل متوافق وببرنامج محدد لا يرتبك ولا تتعارض حركاته، تتغير سرعة وقوة بحسب أوامر هرمونية صادرة عن جهاز تحكم مركزي، وفق حالات مطلوبة، مثل الخوف للجري هربا من خطر، أو زيادة الضخ للتزود بطاقة إضافية عند بذل جهد مضاعف كالرياضة، أو إرسال كمية إضافية الى جزء من الجسم للدفاع في حالة الإلتهاب.
ليس ذلك فقط هو الأمر المبهر للعقل، بل كيف تكونت تلك الأجهزة المتوالفة مع بعضها بدقة مطلقة من خلية واحدة أصلا، تمايزت فيما بعد الى هذا العدد الهائل من الخلايا، وكل منها يتوجه الى مكانه المحدد، ويعمل عملا محددا لا تقصير فيه ولا تقاعس عن دوره ، ثم تستمر كل هذه الخلايا .. وفجأة تنقطع عنها هذه الطاقة المحركة (الروح) فتتوقف عن العمل نهائيا.
طول العمر أو قصره ليست نتاج مهارة الأطباء، بل هي من الأمور المقدرة، فقديما عندما كانت الأعمار تقدر بمئات السنين، لم تكن الحياة أرغد ولا الطب أكثر تقدما.
الآجال مقدرة، ويشمل ذلك أعمار الأفراد والأقوام: “وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ ۖ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً ۖ وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ “[الزخرف:32].

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى