العشَرةُ المبشّرون بالقتَرْ

العشَرةُ المبشّرون بالقتَرْ
د.جودت سرسك

أجَتْ الحزينة تفرحْ مالقيتْ ليها مُطرح, هذا حال لسانِ العشَرة المبشرين بالقَتَر وأوّلهم مزارعو دير علّا الذين تضرّرتْ قلوبُهم قبل بيوتهم البلاستيكية وقد تجاوزتْ خسائرُهم عشرات الملايين وأعلنَ أحدُهم على قناة المملكة أنها سنين عجاف وبداية النهاية للقطاع الزراعي وفقدان الأمن الاجتماعي والغذائي .يدٌ يحبّها الله ورسوله يدُ مزارع دير علّا ولكنّ العواصفَ الرملية والسياسية لا تحبها فقد أنهكتها العمالة والإجراءات التعسفية وعاصفة الدمار بعد ثمانٍ عجاف وكسرتْ الجرس قبل أن تقرعه .
أبشروا يا شمقمقية دير علًا فإنّا قدْ رُوينا أنّ العارِين في الدنيا هم الكاسون يوم القيامة .إنّ لعنة الشمقمق تطال كلّ زمان ومكانٍ وإن نسلُه لا ينقرضون وإنّ الفقرفي وطني عاهة مستديمة فاصبروا واحتسبوا فذاك لعمري كما قال الشمقمق راحةٌ وفراغ بالٍ.
إن ثاني المبشرين بالقتر معلمُ الحكومة الذي يعتاش على راتبه بلا أمل سوى بالتعاقد الخارجي أو فرص التدريس الخصوصي لأبناء الذوات ولكنّه محكوم ٌ عليه بالقتر فلا شيء مضيءٌ في حياته سوى السيجارة وقرض النقابة والعُطل المتلاحقة .إن لمعلمي الحكومة عالماً لا يتقنه سوى عشاق الفول والفلافل وتشتم من ثيابهم عرَق الباصات ودخان غرف الاستراحات وترى في وجوههم لون أكواب الشاي المتتابعة والأحاديث السطحية وقدوتهم أبو الشمقمق.
ثالث المقترين والمبشَّرين بالقتر أطباءُ أوكرانيا ومهندسو البلاطات الذين يمضون عمراً في الدراسة والتقلب بين أحضان أوروبا وامتحانات الصحة وطلبات الوظيفة والتنافس على القبول في المدينة الطبية لكثرة امتيازاتها وسفرياتها للخارج والرتب المتصاعدة وقد يوفّق بعضهم في افتتاح عيادة بعد عمرٍ طويل فيفاجأ بخلو الزبائن مما يضطره لعدِّ بلاطات عيادته والتفشش بالقهوة وتعليق البراويز والدورات على الجدران وتوزيع دعايات المجّات والدخول في عالم التسويق الالكتروني الفيس بوكي .إن القتَر الذي يعانيه مهندسو التخصصات الغريبة كهندسة الطرقات والهيدروليك والجينات بسبب رغبة ذويهم بلقب المهندس وإقبال الجامعات على التعليم التجاري بحيث يرسب أحدهم في الثانوية مراتٍ ومرات فيلتحق بالتعليم المتوسط في كليات المجتمع ويصعد جسرَ عبدون ليقيس وجع إلقاء ذاته من فوقه فيتخرّج مهندسا ليعدّ بلاط رصيف بيته .
سائقوا التكاسي الصفراء وجوههم تفوح بالقَتَر ويعكّرها أصحاب أوبر والتطبيقات الألكترونية ولا يشفع لهم سواد ذراعهم الذي يطلُّ من حافة الشبّاك ولا فناجين القهوة التي تملأ معَدَهم حتى المساء توفيراً لوجبة طعام.
المغتربون الذين يمضون عمرَهم بين الحدود البريّة والجوازات والمطارات وإجازة آخر السنة ويضعون أيديهم على قلوبهم لأي اتصالٍ يرِدُهم من ذويهم ويعضُّهم الدهرُ بنابه ولا يرجعون إلّا أن يُتمّوا شراء شقةٍ واثنتين وثلاثةٍ ثمّ أرضٍ ثم بناية عليها تأويهم في مرضهم ثم يقيمون الطابق الثاني فوق الأول ليأجروه ضماناً لمستقبلهم المقتر ولاشيء يوجعهم سوى إنهاء عقدهم بعد عشرين عاماً قبل أن يكملوا تعليم أصغر أبنائهم الذي لا تعرف له هوية وطنية ولا عقلاً سويّا تحت ظلِّ المسْكِرات من الألكترونيات ورطوبة القتَر.
السمينات والمربوعات الثِقال لا يحزِنُهم من قتَرِ الدنيا سوى ترهُلات أجسادهنَّ وموانعُ الارتباط وتكوينِ حياةٍ أُسَريّة .يُمضين حياتهنّ بين إزالة حبوب وجوههنّ في الصغرِوأندية الجيم وحميات الغذاء التي تبوء بالفشل في الكِبر إلى أن يُحكَمَ عليهن بالقَتَر وربط وقص المعدة وتحويل مسار حياتهنّ فهنّ المبشراتُ بالقترْ.
لا فرق بينَ من يطارد بائعي الخضار وأصحاب بسطات حباتِ الحاملة والفقّوس على جنبات الطُرق والكورونا التي تهددنا بلا ذنبٍ أو إثمٍ سوى أننا مبشّرون بالقَتَرْ.ما أشبه الباعةَ بطائرِالببغاء الذي يعمَد لنتفِ ريشِه لأسبابٍ عاطفيةٍ وغذائية وفيزيائية وما أشبه المبشرين بالقَتَرِ كلهم ببغاء الكاسكو إذ أنّ عدم تعرضه للشمس لمدةِ ساعة أسبوعياً على أقلِ تقدير تحفّز نمو الطفيليات على جسده فيبدأ بالحكة والهرش فلا ساعة حريةٍ مشمسةٍ في حياتهم .إن ببغاء الكاسكو ينتف ريشه لفقدان التوازن في نظامه الغذائي فيمضغ ريشه ليعوض نقص الأملاح في دمه .وكذا العسكريُ وموظف الأمانة والبقّال وبائع شعر البنات وموظف الكازية وكل المبشرين بالقَتَر يمضغون ريشهم وأحلامهم . لا أحد في هذا الوطن لا يمضغ ريشه سوى النواب والوزراء وأصحاب المصالح والعطاءات الخفيةِ ومدرسو الجامعات الحكومية والأطباءُ وذووهم.
.
والقائمة تطول لتصلَ إلى أشقائنا في قطرَ لتتربّع على منصتِهم علّ كاسكو عمرِنا يحلّق بحرية ويحفظ ما تبقى له من ريشِ العمر ويسمو على تأمينه الصحي المغيّبِ عمداً ويتعالى على ضمانه الاجتماعي المسروق.

J_sh_s@hotmail.com

مقالات ذات صلة
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى