الطمأنينة والسعادة / موسى العدوان

الطمأنينة والسعادة

يقول الدكتور علي الوردي في كتابه ” مهزلة العقل البشري ” ما يلي :

” إن البلاهة العامة تجلب للناس الطمأنينة والسعادة، وقد قالوا قديما : ( السعيد هو الذي لا يملك قميصا ولا يريد أن يملك قميصا ). أما ذاك الذي يريد القميص ولا يملكه فهو بؤرة الشقاء بلا شك. ومن هنا جاءت مشكلة المدنية الكبرى. فالمدنية معناها التكالب والتزاحم واستغلال الناس بعضهم لبعض. فظهر من بين الناس إذن طبقة مترفة تملك عدة قمصان، بينما يبقى كثير من الناس لا قمصان لهم، والناس قلقون عند ذاك إذا جاعوا وإذا شبعوا. وقد قال أبو الطيب المتنبي في إحدى قصائده الخالدة :

ذو العقل يشقى بالنعيم بعقله * * وأخو الجهالة بالشقاوة ينعم

مقالات ذات صلة

قيل : أن المتمدن إذا جاع سرق، وإذا شبع فسق، وهو في كلتا الحالتين شقي لا يقف شقاؤه عند حد. إنه يركض وراء هدف، فإذا وصل إليه نسيه وابتكر له هدفا آخر يركض وراءه. فهو يركض ويركض وراء سراب. إنه يجدد ويبدع في كل يوم، ولكن الجديد يصبح عنده قديما في اليوم التالي.

أما البدائيون الذين يعيشون على الفطرة، فهم إذا شبعوا حمدوا ربهم، وإذا جاعوا حمدوا ربهم كذلك. ومزيتهم أنهم يشبعون جميعا ويجوعون جميعا، فليس بينهم متخوم ومحروم، فالتنافس ممنوع عندهم إلا فيما يجلب منفعة للجميع. أما التكالب الفردي فهم يعدونه عيبا، لا يجوز لإنسان أن يتصف به.

وجدنا هذا واضحا عند البدو الواغلين في الصحراء، الذين لم يتأثروا بعد برذائل المدنية. ويحدثنا ( ويل دورانت ) أنه موجود كذلك عند البدائيين الذي يعيشون في الغابات. فلا يوجد بينهم جائع في الوقت الذي يوجد طعام في مكان ما من القرية. وإذا حصل أحدهم على غنيمة وزعها حالا على من كان بقربه. يقال أن أحد السواح أعطى بذلة كاملة من الملابس لأحد البدائيين، ثم وجد بعد وقت قصير، أن القبعة صارت حصة رجل منهم، والسراويل ذهبت لآخر، والمعطف عند ثالث.

سمع أحد البدائيين في جزيرة ساموا عن حالة الفقراء في لندن من فم سائح مر به. فتعجب البدائي عجبا شديدا وقال : كيف يمكن أن يجوع هؤلاء الفقراء ؟ أليس لهم أقرباء أو عشيرة ؟ إنه لا يستطيع أن يتصور إنسانا يجوع وحوله أناس قد شبعوا. أما في المدينة فهذا أمر مألوف لا يُعجب منه أحد. وهذا يؤدي إلى التنازع طبعا، فتنشأ عنه الحركة الاجتماعية التي تدفع بالمجتمع إلى الأمام “. انتهى الاقتباس.

* * *
التعليق : أعتقد أن الفوارق بين سكان البوادي والمدن في الأردن هذه الأيام، قد تلاشت مع بداية القرن الحادي والعشرين. فالكل يريد القميص ويبحث عنه ولكنه مع الأسف لا يجده. فأصبح المتخومون طبقة معينة، وأما المحرومون والمسخّمون فهم فكثر والحمد لله، بفعل السياسات الاقتصادية الفاشلة، والتي تبنتها وتتبناها الحكومات المتعاقبة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى