الصاك / شبلي حسن العجارمة

#ألف_مبروك_أردني_مدين

﴿ الصاك ﴾

أنا الحفيد الذي دفع ثمن الصاك قبل حفل طهور أبيه، ولا زال الصاك لعنة تطارد ما سوف يولد من أحفادي من بعدي ، أذکر أسطورة الصاك بکل تفاصيلها ومواسمها ،لکنني لا زلت أجهل من هو صاحب الصاك الأول،حتی بت علی يقينٍ مني ومن أبناء عمومتي أن الصاك کان ذريعة جدي في بعزقة المال الذي کان ثمن محاصيل الموسم من عرق أبي وعمي وطفولتنا البريٸة، حتی أصبح ثمن الصاك ديناً في رقاب الخراف التي في بطون أمهات القطيع، لعلکم تشوقتم وتتوقتم لحکاية الصاك، وللصاك لغزُُ استبدادي عجز دهاة السياسة عن الإتيان بمثلها أو حتی مجرد تقليدها ، ما أذکره من خرافة الصاك ”أن جدي کلما باع محصول البيادر وصوف الغنم في موسم القصاص والقصب وکلما باع جيلاً من الخراف بات خارج البيت من يومين إلی ثلاثة أيام ، وحين يعود تستقبله جدتي المرأة العصامية بالسٶال المجرد وين المصاري ؟“،وکان سٶالها ناتج عن مرارة مراس وتجربة في سياسات جدي الاقتصادية المرهقة والمستبدة ،لکن والدي وأعمامي وکلنا نعرف الإجابة منذ لحظة بيع البيدر وغياب جدي لليلة واحدة ،أن جدي ذهب ليدفع ما تبقی من ثمن الصاك، فحين تنکشف حکاية الغلة الهاربة والضاٸعة والذاهبة مع الريح علماً أن الصيف لا ريح معه أو به أو له وتضيق جدتي خناق الأسٸلة علی جدي ونظرات أبي وأعمامي وکل النساء اللواتي طلع الحقل من جلدهن ونبت فوق مدارقهن الشوك والمرار والحنظل، قال جدي بلغة العصبية التي ستنهي الإجابة بلا استفسارات أخری قاٸلاً ” يا مرة جلّيِ الحس هو أنا خاين رزقتي ، القروش انسرق مني ١٠٠٠ نيرة بماقف الحلال ونمت عند جماعة ولقيت رايح من تحت راسي ٥٠٠ نيرة واستحيت أخون المعازيب والباقيات سديت من حق الصاك “.
کان المشهد ينتهي بفصل الندب والنعي لجدتي والبکاء الشديد والاستفراغ ،وکان جدي يذهب لمطعم أبو کف ويحضر لجدتي طير دجاج محمر علی الدولاب وخبز سوق، وما إن تتلمظ جدتي البرکة البسيطة علی أول قطعة من الدجاجة حتی تصبح هي من تجيب أعمامي عن جدي ”يا ابوي الختيار دفع من حق الصاك “.
للإنصاف کان جدي رجلاً يفيض کرماً وسخاءً وإحساناً ،کان يسدد ثمن ولاٸمه للفوارد وغديات التربة والمأٓتم وللضيوف وللمساکين واليتامی ، ولا زال ثمن الصاك يعود علينا بالبرکات والعلاقات والرحمات علی جدي.
الصاك هذا الذي يشبه خرافة البنك الدولي والدين العام وحجم النفقات والعجز في الموازنة ،تلك المصطلحات التي اختلقتها دولةُُ أغرقت نوح الشعب بسفينته وکل زوجين اثنين، شماعات من عناوين وعلاقات من وهم وتبريرات لسياسات استباحت حرمة الأرض والإنسان ،وکتبت علی معصم کل مولودٍ قادم کلمةً من مقطعين ” مبروك أردني مدين“.

مقالات ذات صلة
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى