الشباب والمشاركة السياسية

الشباب والمشاركة السياسية
د. قــدر الدغمي

يعتبر الشباب حجر الزاوية في التنمية سواء كانت اقتصادية أو اجتماعية أو سياسية من خلال مشاركتهم في إنماء هذه المجالات داخل منظومة الدولة, وإشراكهم في الحياة السياسية عبر تطوير برامج إدماجهم بها وتحصين هذه البرامج بنصوص قانونية محفزة لمشاركتهم الفعالة داخل هذه الحياة، خصوصا في ظل ما أصبح يطلق عليه بظاهرة “عزوف الشباب عن المشاركة السياسية” التي تعتبر مثار تخوف ونحن نقترب من موسم انتخابات برلمانية وبلدية ومجالس اللامركزية في نهاية هذا العام.
نحن في زمن لم يعد فيه الحق لأي كان مهما كانت وصايته، أو مكانته الرمزية سياسية كانت أو اجتماعية أو حتى دينية، أن يتخذ قرارا باسم الشباب وهم الشريحة الأكبر في المجتمع، أو الإبقاء على الشباب وجعلهم بعيدين كل البعد أو مغيبين عن واقعهم ومجتمعهم، ويتعمد البعض فعل ذلك بسبب إنتهازيته خاصة ممن يدعون بأنهم صفوة المجتمع أو من نخبويته، إن اغتصاب مفاهيم الديمقراطية أبشع ما تكون في استغلال عاطفة وصمت وخوف الآخر، الأمر الذي أدى إلى تقويض القيم الديمقراطية التي تضمن ثقافة العدل والمساواة وتكافؤ الفرص وتقبل الآخر وحرية التعبير والاختيار.
الغالبية العظمى من الشباب لديها فراغ سياسي بفعل ثورة الاتصالات والمعلوماتية والعولمة بأبعادها وأنماطها المختلفة, هذه الثورة عملت على تقريب المسافات واختزلت الزمان وقلصت السيادة الوطنية، ما أدى الى أن يعيش شبابنا في ظل أجواء عالم متغير، والسبيل لمجابهة هذا الوضع يكون من خلال زيادة الوعي السياسي بتعزيز دورهم في المشاركة السياسية، كما ويتعين على الجهات المسئولة والعاملة مع الشباب أن تفتح حوارا معمقا مع الشباب وبين الشباب أنفسهم وتمكينهم من التعبير بالوسائل المتاحة عن رؤيتهم لكل القضايا التي تتعلق بدورهم في الحياة السياسية.
ايضا يعد فشل الأحزاب السياسية في استقطاب الشباب، عامل مهم في عزلتهم وبعدهم وعدم تفعيل مشاركتهم السياسية، بسبب تمسك بعض رموز تلك الأحزاب بقيادتها بشكل بيروقراطي وغير ديمقراطي، وعدم افساح المجال لهم، لقد أصبحت الحاجة ملحة إلى تغير بالثقافة والمفاهيم السائدة بحيث يتم إقناع الأحزاب السياسية بأن تضع الأولوية لمشاركة الشباب في برامجها وعلى رأس ذلك افساح المجال للكفاءات منهم بتسلم زمام القيادة، وإجراء تعديلات هيكلية في البنية التنظيمية بحيث تعزز من مشاركتهم في مستويات السياسية العليا فيها.
نحن في وقت نحتاج فيه إلى وعي سياسي، بعيد عن الانتماءات والأهداف التي لا تمت لمفهوم المصلحة الوطنية العليا بصلة، كالجهوية والقبلية والمحسوبية والعلاقات الخاصة بمفهومها الضيق، وغيرها من التصورات، وعلينا الربط بين مفهوم المواطنة ومفهوم الدولة، في علاقاتهما البينية فيما يتعلق في القرارات المتخذة على المستوى المؤسسي الرسمي، وأن لا يترك الشباب تائها ويكون عرضة لتجاذب التيارات الخارجية، ويبقى غائبا ومغيبا عن ساحة الفعل السياسي الوطني بسبب عدم إتاحة الفرصة لهم.
ولأن المجال غير متاح لهم، يعاني غالبية الشباب من الاستياء والنفور في الواقع السياسي، نتيجة للتمييز والتهميش والاقصاء والفرز، وبسبب سياسة الهيمنة والاحتكار التي مارسها ويمارسها اصحاب النفوذ، ومن ضمنها المشاركة السياسية، وللأسف ما نراه هو استغلال دور الشباب فقط عند اقتراب موعد الانتخابات في الدعاية والتسويق للحملات الانتخابية وبذلك ينتهي دورهم، لأن هناك من لا يريد للشباب أن يتقدم بدافع الحفاظ على المكتسبات والمصالح الضيقة مستغلة بعدهم عن دورهم في المشاركة السياسية، ففي هذه المرحلة نريد تفعيل عملي للشباب وعدم حشدهم في برامج التلقين والتنظير.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى