السُخريةُ في زمَنِ الكورُونا

السُخريةُ في زمَنِ الكورُونا
د. جودت سرسك
ينتشرُ في وقتِ الأزمات حسٌ إبداعي يتّسم بالسخرية العذبة ,إذ أن الأدب الساخر والكلماتِ الساخرةَ ضربٌ لا يتْقنه سوى الخُلّص من أهل اللغةِ وصناعةِ الكلمات .يُثني الجاحظ الأديب الفذ على الضحك والسخرية إذ يقول: وللضحك مقدارٌ وموضعٌ فالناس لم يعيبوا الضحك إلا بمقدار ولم يعيبوا السخرية إلا بمقدار.إنّ السخرية نوع من الكوميديا التي لا يجيدها سوى صاحب النفس المتفائلة وإن ارتبطت بالتسخيف والتضخيم وتقزيم الآخر .لقد عُرف عن المصريين حسُهم الساخر والناجم عن الهروب من الأزمات التي لا حصر لها فهم أسياد الكوميديا الساخرة منذ الأزل إذ عُثر على إحدى جداريات الأهرام رسمةً لطائرٍ يتسلق شجرة عبْر سلَمٍ خشبي لا عبر جناحيه وقد يفسِّرها البعض على أنها النكتة الاجتماعية التي تشير إلى إلغاء الحواجز بين الطيور والبشر وتوحد الرؤى أو تكسّر الفطرة في زمن الثورة الحداثية واختراع السلّم.
إنّ للسخرية ضروباً وفنونا تتّسِع مع اتساع العوَز والخلاف وتفرّق المذاهب ومنها السخرية الاجتماعية والسياسية والمذهبية ,والشاعر الأموي الأخطل خيرُ مثالٍ على السخرية إذ قال في قبيلة جرير :
قومٌ إذا اســتنبح الأضيافُ كلبهمُ قالــوا لأمّهــم بولــي علــى النار
فتمسـِـك البولَ بُخلا أنْ تجودَ به ومــا تبــولُ لهــم إلّا بمقــدار
لقد سخِرتْ منّا أمهاتنا حين كنّ يهددْنَنا ب(أبو رجل مسلوخة ) الذي يخرج من طاقة الحائط الأسود من أوجاع الزمن ,وتدور الأيام لنمارس السخرية من أطفالنا في زمن الحظر ونهددهم بالكورونا التي سلخت جلدَنا وأظهرتْ هشاشتنا وخوفَنا.وتستمر السخرية من كلِ ماحولنا ابتداءً بأهل الكهف وعبارة (كم لبثنا) لرجلٍ يخرج من بيته بعد فكِّ حظر الكورونا ,أو السخرية من النساء بعبارة ( الله يستر الحكومة تسكّر الصالونات النسائية لأنه ماسنراه راح يكون أخطر من الكورونا),والسخرية من الحكومة ونظامها الرقابي (انخفاض حالات الكورونا في الأردن إلى تسعة والعاشر شّلف),ومن قرار الأوقاف عبر الدعوة إلى صلاة الفجرسِرّا عبر الاجتماع في( دار الأرقم بن الأرقم )والسخرية من النظام الاجتماعي حيث (إن قعدة البيت تخفف من انتشار الكورونا وتزيد من نسب الطلاق ) وأن حالة القرب بين الزوج وزجته والشفافية أدت به من الصراحة لأن يخبرها عن زوجته الثانية.لقد وصل الأمر إلى نوعٍ من التنمر على الشخوص والمؤسسات عبر نشر صورِ أبطال معركة الخبْز الذين حصلوا على ربطتي خبزٍ في ليلة الحصاروسرد أسماء مؤسسات بذلتْ بسخاءٍ مالاً ومساعدات عينية لصالح وزارة الصحة وحشْوُ اسم رجلِ الاقتصاد الكبير الذي ذاع سيطه مؤخرا بشكل ممنهج وكأنها أجندة إعلامية لتحضيره كرجل مرحلة صاعد لنظامٍ سياسي في دولة مجاورة وزجوا اسمه ضمن الناس الذين لم يقدموا شيئاً (أبو غزالة ما دفع ),لا أشيد بهذه الكوميديا أو أذمّها ولكنّها تعكس دلالاتٍ اجتماعيةً مفادها التنمّر على شخوص وأموال الآخرين إذ إنّ العطاء لا يكون بالإكراه والمساومة وإنّما بالحب والانتماء .لقد تنمّرنا على الحكومة كثيراً ولكنّ الكورونا علّمت حكومتنا التسامح لعلّ ذلك احساساً منها بدنوّ أجلها و(يا رايح كثّر ملايح ) فهل سيذكُر التاريخُ عودةَ (أبو رجل مسلوخة) أو أبو رجل كورونا عبر إلصاق صفةِ التخويف بالحكومة بُعيد انتهاء الأزمة وتهديد المعارضين والذين لم يدفعوا بعبارة( أبو رجل حكومة) !!
J_sh_s@hotmail.com

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى