الرحيل الصعب ،،، د. فخري صويلح في ذمة الله / د. محمد فخري صويلح

الرحيل الصعب ،،، د. فخري صويلح في ذمة الله

بقلم : د. محمد فخري صويلح

ست عجاف مضت ،، وتتلوهن سنوات أُخر عجاف ،، ويبقى رحيل الكرام صعباً مؤلمًا ،، ولكنها سُنّة الله في خلقه ،، يختار منهم الرجال صانعي النهار ،، ويصطفي منهم أقماراً أضاءت ما حولها بالجد والعمل والتضحية والمثابرة.

ففي مثل هذا اليوم الأثنين ،،، الخامس من نوفمبر من سنة ٢٠١٢ غادرنا الدكتور فخري صويلح إلى لقاء الله صابراً محتسباً ،، صابراً على ألم المرض ،، ومحتسباً الأجر عند الله في سائر شأنه.

مقالات ذات صلة

لكن سيرة الرجل تجاوزت الألم والصبر ،،، فهو الطبيب المعالج لأوجاع الناس،،، كما أن سيرته سبقت الاحتساب ،، فقد قدم الرجل وضحى في سبيل الله انتصاراً لدينه وفكرته ومنهجه ،،، وتجرد عن كل المكاسب والمطامح ،، فكان احتسابه صادقاً مباركاً.

لم يكن لأبي محمد إلا خبيئات معدودات مع الله،، ولكنها – وبعضها سيُتلى في الأسطر القادمة – منطلقات لكل طلاب الإرتقاء في زمن العوائق لتصنع لهم أبهى الرقائق فتطيب بها النفوس ،،ولتخلق للجمع المسار الذي يتقون فيه من أهل الفتن وصناعها ،،، ولعل من خبيئاته التي عرفتها عنه خلال سنوات صحبتي له،،

أولها: خبيئة سلامة الصدر ،، فقد كان صدره خالياً من الأحقاد والصغائر ،، مترفعاً عن سفاسف الأمور ،، متسامحاً متعالياً عمن ظلمه أو استغابه أو عرّض به ،، وكان رحمه الله يحمل في داخله احترام من يلقاه ومن يعرفه،، وفِي هذه الخبيئة منزلة عظيمة يلقى الله بها.
ثانيها: خبيئة التجرد عن مطامح الدنيا ،،، فمهما تكالب الآخرون على لعاعة الدنيا بكل ما فيها ،، تراجعت نفسه وقدمه عن السعي لها ،،، زهداً بها ،، وإعلاء للتجرد من الأهواء تجاهها.
وكان لبعد نظره رحمه الله إصابة ،، فقد أدرك أن الدعوات والمبادئ يفسدها الطامحون ،، والمتعلقون بمكاسب الدنيا،، والمقاتلون لحظوظ أنفسهم ،، وأصحاب الانتقام لذواتهم ،،، ولذلك آثر أن يهجر الدنيا وزينتها ،، ويكتفي منها بما يسد حاجته ويعينه على تمام مسيرته.

ثالثها: خبيئة الصمت والعمل ،،، فقد ادرك رحمه الله تعالى ،،، أن اشتغال الناس بالكلام يشيع بينهم الإعجاب بالرأي ،، ويفتح أبواب الاختلاف ،،، ولذلك كانت عبادة الصمت أجمل عباداته ،، وقد اتبعها بعبادة العمل الخالص لوجه الله تعالى.

رابعها: خبيئة حفظ السر والأمانات ،، فقد عاش الرجل أميناً على كل ما حُفظ أمانة عنده ،،، فكان موضع ثقة من عرفه ،، وموطن من ينشد جبلاً يلقي عليه حمله.

خامسها: خبيئة سعيه للوحدة ونبذ الفرقة ،،، ولعل هذه الخبيئة التي تعبد الله بها في سره وجهره ،، كانت موطن همه ،، وباب كل سعي يقوم به،،، وأحسبه رحمه الله تعالى – لو كان بيننا اليوم – لنبذ كل معاني وأشكال الفرقة في المجتمع بعمومه ،، وفِي العمل الإسلامي بخصوصه ،،، ولا أحسب أن جمعاً من أبناء العمل الإسلامي يُقدمون على شق صفوف جمعهم الأم ودعوتهم لو كان حاضراً بينهم عندما فعلوا ذلك،،، فهو الأب والأخ الأكبر لهم ،، وهو محط ثقتهم ،، ويعلم هؤلاء أنه – رحمه الله- لن يبارك خطوتهم تلك ،،، كما أنه سيكون الأحرص على الاستماع لمظلمتهم وتطلعاتهم وأمنياتهم وحتى لأهواء وزفرات النفس لبعضهم وحلها بما يليق بها في إطار البيت الإسلامي الذي يجمع ولا يفرق ،، ويبني ولا يهدم ،، ويعلي حظ الفكرة والمبدأ ،، ويهذب سكنات النفس واشتياقاتها.

سادسها: خبيئة حب الخير وحمله للناس ،، فقد كان رحمه الله ابن دعوة تحمل الخير للناس،، وابن صنعة الطب التي تحمل الرحمة للإنسانية ،، فقد كان يُقدم ويبذل ،، ويسعى لكفاية من حوله ،، ونزع كل معاني الألم والحاجة والفاقة والجوع عنهم ،، عرفهم أم لم يعرفهم،، فيكفيه أن الله يعلم خبيئته.

تلك ست خبيئات ادخرها رحمه الله لنفسه ،،، والله يعلم منزلتها منه ،، ومنزلته منها ،،، ولكني أشهد الله عليها ،،، وأسال الله أن تكون شاهدة له يوم نلقى الله تعالى.

تلك ست كاملة ،، توافي ست سنوات من الغياب الصعب ،،. ولكن الله ألهمنا التقاطها ،،، ونسأله تعالى بعد ذلك أن يلهمنا جميعاً الفرصة واللحظة للعمل بها،، والعيش في رحابها.
فالله الله ،، بكم معشر الأحبة ،، ومعشر الأهل ،، ومعشر الإخوان ،، عليكم بسلامة الصدر ،، و بالتجرد ،، وعليكم بالصمت مع كثير العمل ،، وعليكم بحفظ السر والأمانات ،، و بالوحدة ونبذ الفرقة ،، و بحب الخير للناس ،، فهن المنجيات ،، وهن الحاملات للقاء الأحبة على حوض المصطفى صلى الله عليه وسلم.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى