الذكرى الثامنة والأربعين لحرب أكتوبر 1973

الذكرى الثامنة والأربعين لحرب أكتوبر 1973
موسى العدوان

نعيش هذه الأيام ذكرى #حرب #أكتوبر المجيدة الثامنة والأربعين، والتي تصادف بتاريخ 6 أكتوبر الجاري، والذي اقتحمت به القوات المسلحة المصرية أعظم مانع في التاريخ، يرتكز على قناة السويس وخط بارليف الحصين. فعبرت القوات المصرية القناة، ودمرت خط بارليف، وقهرت ( الجيش الذي لا يُقهر )، كما كان يتبجح الإسرائيليون.
وبهذه المناسبة أجد من واجبي تذكير الجيل الذي لم يعش تلك الحرب بشيء من أحداثها، كما يرويها أشهر الضباط المصريين المشاركين بها، ألا وهو المشير محمد عبد الغني الجمسي.
فالجمسي كان في تلك الحرب رئيسا لهيئة العمليات في الجيش المصري، وهي التي خططت للحرب بكافة تفاصيلها. و أصبح الجمسي رئيسا لأركان حرب القوات المسلحة المصرية في 14 ديسمبر 1973، ثم عُين وزيرا للحربية والقائد العام للقوات المسلحة في عام 1974، وبعد انتهاء الحرب ترأس الوفد المصري إلى محادثات السلام مع إسرائيل عند الكيلو 101، وتقاعد عام 1981 بناء على طلبه.
يقول الجمسي في مقدمة مذكراته ” حرب أكتوبر 1973 ” عن سبب تأخره في نشر مذكراته ما يلي واقتبس :
” تحفظت كثيرا وتأخرت طويلا قبل نشر هذا الكتاب، برغم مرور واحد وعشرين عاما على حرب يونيو 1967، وخمسة عشر عاما على حرب أكتوبر 1973، إلى أن وجه لي الكاتب الكبير الأستاذ حلمي سلام رسالة على صفحات مجلة آخر ساعة بعنوان : رسالة إلى المشير الجمسي – السكوت ليس دائما من ذهب.
( يبدو أنك مؤمن ايمانا شديدا بالمثل القائل : إذا كان الكلام من فضّة، فالسكوت من ذهب . . وعلى مدى تلك السنوات تكلم عن هذه الحرب _ حرب أكتوبر – من يعرف ومن لا يعرف . . من عاش الحرب يوما بيوم واكتوى بنارها ولظاها، ومن كان بين المتفرجين عليها . . كل هؤلاء تكلموا عن تلك الحرب إلاّ أنت . .
إن الشيء الذي لا يجوز أن تسقطه من حسابك، هو أنك لا تملك حق الزهد في الكلام . . ذلك أن الكلام عن مسار واسرار هذه الحرب المجيدة، التي هزمنا بها الهزيمة، ورفعنا بها الرايات بعد تنكيسها، وأحيينا بها النفس بعد موتها، إنما هو حق للتاريخ عليك . . مثلما هو حق للجيل الذي عاش هذه الحرب، ولكل الأجيال القادمة على الطريق من بعده. وبقي أن تقول أنت
– بالأمانة كلها – كيف حدث ذلك، وكيف جاء أبناء مصر بهذا النصر من وراء الأهوال ). انتهت رسالة الكاتب حلمي سلام.

  • * *
    ويستطرد الجمسي قائلا : ويتضح لنا من النظرة الفاحصة للجولات الثلاث الأولى ( 1948 – 1956 – 1967 ) أن إسرائيل تستعد دائما للحرب، وتحشد وتعبئ كل القدرات العسكرية والسياسية والمعنوية لخوضها، بينما نجد أنفسنا – نحن العرب – نفتت جهودنا وتشتت إمكانياتنا الضخمة، لاعتبارات سياسية خانقة، تضع القيود على هذه الجهود والإمكانيات . . .
    وهكذا توسعت عام 1967 على حساب الأرض العربية، باحتلال سيناء والمرتفعات السورية ( الجولان ) والضفة الغربية لنهر الأردن وقطاع غزة، لفرض الأمر الواقع بالقوة العسكرية على العرب، دعما لمصادر القوى الأخرى. وما زالت تفرض الأمر الواقع على الجولان والضفة الغربية والقطاع بالقوة رغم مرور أكثر من ( نصف قرن ) على احتلالها.
    ولكل حرب من هذه الحروب الثلاث، ظروفها السياسية وأهدافها الإستراتيجية ونتائجها، في إطار صراع القوتين العظميين في الشرق الأوسط. إلاّ أن المقارنة بين قدرات الخصمين المتحاربين – العرب وإسرائيل – لا تعكس من الناحية العسكرية تلك الصورة، التي انتهت إليها هذه الجولات الثلاث، وكانت القوة العسكرية للطرفين المتحاربين، هي العامل الحاسم فيما وصلت إليه حالة العرب السيئة، في الجولة الثالثة في يونيو 1967.
    ثم جاءت حرب أكتوبر 1973، فكانت حربا مختلفة تماما عن الحروب الثلاث السابقة لها، بعد أن تعمقنا في معرفة العدو الإسرائيلي وتحديد مصادر قوته ومواطن ضعفه تحديدا دقيقا، مهّد لنا الطريق في الصراع العسكري الدائم والمستمر بين العرب وإسرائيل.
    لقد خاضت قواتنا المسلحة حرب يونيو 1967 وحرب أكتوبر ضد نفس العدو، واختلفت النتيجة اختلافا واضحا بين الهزيمة والنصر. وأغلب الرجال الذين اشتركوا في حرب يونيو، هم نفسهم الذين اشتركوا في حرب أكتوبر بفاصل زمني حوالي ست سنوات، وهي فترة قصيرة لا يمكن أن يُقال أن جيلا حل محل جيل. فضلا عن ذلك فإن الموقف العسكري الإستراتيجي في أكتوبر 1973 كان اصعب من الموقف في حرب يونيو 1967. وبرغم ذلك عبرت قواتنا الهزيمة، وحققت النصر العسكري في ظروف سياسية أعقد مما كانت قي يونيو.
    ومن الملفت للنظر أيضا، أن إسرائيل انتصرت في حرب يونيو من حدود اعتبرتها غير آمنة، وانتصرنا عليها – نحن العرب – في حرب أكتوبر من حدود اعتبرتها آمنة . . . وبدأت السياسة تلعب دورها استغلالا لنتائج الحرب. وظهر الدكتور هنري كيسنجر مستشار الآمن القومي ووزير الخارجية الأمريكية، على مسرح الأحداث في الشرق الأوسط ممثلا للولايات المتحدة الأمريكية. واتّبع سياسته المشهورة سياسة الخطوة خطوة. فكان فض الاشتباك الأول بين القوات المصرية والقوات الإسرائيلية الذي تم بمباحثات الكيلو ،101 على طريق القاهرة – السويس الصحراوي.
    وتلا ذلك فض الاشتباك بين القوات الإسرائيلية والسورية على جبهة الجولان، وحدثت زيارة القدس التي قام بها الرئيس الراحل السادات في أواخر عام 1977 . . . وأخيرا تمت مفاوضات كامب ديفيد في سبتمبر 1978 على مستوى رؤساء مصر وإسرائيل وأمريكا، انتهت في الولايات المتحدة بتوقيع اتفاقية كامب ديفيد.
    ويختم الجمسي كلامه بالقول : إني أعلم تماما أن الحرب هي امتداد للسياسة بوسائل أخرى، كما أنني على اقتناع بأن السياسة لها رجالها، وهم القادرون على شرح سياسة مصر خلال الفترة اللاحقة، لذلك التزمت أن يكون للجانب العسكري الأسبقية والأهمية فيما أكتب، وأن يكون للجانب السياسي قدر محدود لتوضيح ارتباطه أو تأثيره على العمل العسكري أو العكس . . .”. انتهى الاقتباس.
  • * *
    التعليق : حرب أكتوبر 1973 كانت معجزة عسكرية في تخطيطها وتوقيتها وتنفيذها، واستطاعت أن تحقيق المفاجأة الاستراتيجية التي أذهلت العالم وشلّت القيادات الإسرائيلية، وراحت تدرّس في مختلف المعاهد العسكرية العربية والأجنبية.
    وعندما حدثت ثغرة الدفرسوار حاول القادة العسكريون معالجتها، في سحب لوائي دروع من شرقي القناة إلى غربها لتدمير القوة الإسرائيلية التي عبرت من خلال الثغرة، تدخلت السياسة في الموضوع، وحدث خلاف بين القيادة العسكرية والقيادة السياسية، استقال على أثرها رئيس أركان حرب القوات المسلحة في حينه سعد الدين الشاذلي.
    وهكذا حقق كيسنجر هدفه في إضعاف موقف مصر وقواتها المسلحة، وخلق نوعا من التوازن بين الطرفين، تمهيدا لإجراء محادثات السلام اللاحقة، التي لم تحقق السلام الحقيقي بين العرب وإسرائيل، بعد أكثر من ثلاثة وثلاثين عاما من توقيعها . . !
    التاريخ : 2 \ 10 \ 2021

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى