الدولة المجنونة في جائحة كورونا

الدولة المجنونة في جائحة كورونا
أسامة العربي

من المفارقات العجيبة التي رسمها القدر على يد فايروس كورونا . أن البرفسور الصهيوني حزقايل درور من الأوائل الذين استخدموا مصطلح الدولة المجنونة ، وجعلها الحتمية القادمة من الاسلام ، فأبى القدر إلا أن يهدم هذه الحتمية ، فالدولة المصرية الحالية التي دعمها الكيان الصهيوني والتي قامت على أنقاض الديموقراطية التي جاءت بالاسلاميين جسدت الصورة الأوضح للدولة المجنونة في تعاملها مع هذه الجائحة .

صحيح أن الدولة المجنونة ما كادت تختفي من التاريخ البشري الا وأطلت رأسها من جديد ، فمثلا عام ٦٤م أحرق نيرون العسكري روما القديمة بما تحتوي ليقيم روما الجديدة ؛ وفي عام ١٩٧٦ انفق الحاكم العسكري جون بيدل ثلث ميزانية إفريقيا الوسطى في احتفال تنصيبه امبراطور ، وما بين ١٩٩٥_١٩٩٨ وقعت كوريا الشمالية في مجاعة كادت تفتك بالشعب لولا مناشدة المجتمع الدولي لرئيسها قبول المساعدات الغذائية والطبية ، إلا أن مصر الحالية أضافت سببا أخر لجنون الدولة ، تمثل في محاولة توليد شرعية مفقودة والإستمرار بإخضاع اللامنطق لمعايير فأطاحت بكل ما تعارفت عليه البشرية ، حتى العلم في الدولة المجنونة أصابه الهذيان فأضحت المعجزة لفظ هستيري “كدة ” !

يدرك المرء أن خيار مناعة القطيع قائم في الأوبئة حين تفقد الدولة السيطرة ، أما العصي على الإدراك حالة التيه ومحاولة تكييف المجتمع مع هذا التيه ، حالة التيه تمثلت بين مناعة القطيع التي يكشفها الواقع ومحاولات التجميل وإضافة المكياج على الواقع وكأنه ضمن الإجراءات الطبية المسيطر عليها ، مجازفة مضاعفة تستهلك حتى الوعي الجمعي وتنفيه ليقيم في التيه والخبط العشواء في محاولته البقاء على قيد الحياة .

لا أبالغ إن قلت أن الجنون بلغ أوجه في محاولة الدولة إجبار المجتمع على هضم التناقض بين ترك الحبل على الغارب في محطات القطار ،وكافة القرارات التي تكدس الكتل البشرية ، بما يعزز قرار مناعة القطيع وبين محاولة الاعلام تصدير صورة مغايرة وخلق واقع افتراضي مسيطر عليه طبيا .

قالوا ليس في العقل المجنون سوى جنون العاقل ،وإن قيلت في الفرد فإنها تنطبق على الدولة .

مطاردة الدولة والتهديد والوعيد لكل من تسول له نفسه الإشارة للواقع والإجراءات الفعلية في التعاطي مع الجائحة بما يخالف النظرة السامية التي اختلقتها الدولة ضاعف من فوبيا الوباء في المجتمع ، بل أصبحت الدولة تهيم في واد والشعب في واد أخر يلتمس النجاة من جنون الدولة ، وهذه الميزة الثانية للدولة المجنونة والتي حققتها مصر بجدارة ، ناهيك عن الإبتزاز المادي للمواطنين العائدين لوطنهم ، سواء بسعر التذاكر أو تكلفة الحجر الصحي الذي يفرغ من مضمونه بمجرد الاقتراب من محطة قطار أو أي وسيلة نقل جماعي !!.

وإن أنفق بيدل ثلث الميزانية في حفل تنصيبه امبراطور ، والشعب يعاني الفقر والحاجة، فالسيسي أنفق كذلك جزء غير يسير كمعونات للصين، وإيطاليا، من كمامات وأقنعة طبية ومستلزمات طبية ، والشعب يعاني من قلة الإمكانيات الطبية ، الرابط بين الحالتين، حالة الجنون التي تخلق قيم سامية لقرارات متخبطة ، وذلك لتكريس وهم التفرد في إدراك القيمة السامية من أي قرار حتى وإن كان جنونيا بإمتياز .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى