الدورانُ المُسن ! / مادلين احمد

الدورانُ المُسن !

حسناً، أنا هُنا لأكتب في هذا المساء بأنني أشعر بثقل هذه الحياة، هل السبب في أنني أصبحتُ أضعف من أن أحملها أم أنها فاقت بوزنها أي ريشة تُمكنني من حملها؟
لستُ مُسنة بعد؛ ولكني أكاد أشعر بأنني مُسنة وفقدت الكثير ومات كل عزيز وابتعد عني كل قريب، ما الذي يفصلني عن دار العجزة؟ ربما أسناني التي ما زالت مُصطفة في سقف وأرض فم لا يَمل الكلام.

أذكر أبي حين كان يقول بأن الرجال في زمنهم يولدون رجال، يقفزون من الطفولة للرجولة دون المرور في برزخ الصبيانية، وبأن واحدهم كان قادراً على تحمل المسؤولية في عمر صغير جداً. فكانوا قادرين على العمل والزواج وبأن يحظى أحدهم بعشرة أبناء وهو لم يصل الثلاثين من عمره! حتى أن فاتورة الكهرباء التي كسرتهم وسجلت ارتفاعاً كانت خمس قروش، وكل هذا بسبب الراديو الذي التم عليه كل الحي آنذاك. وقطعة الأرض في أفخم المناطق كانت لا تتجاوز السبعة دنانير، أو في أحسن الحالات يُبدلونها ببقرة!

كانوا يُنجزون الكثير؛ وأنا أرى الوقت يمضي ولن يعود، وبخمس قروش أستطيع أن أحظى ” بحبة علكة ” وفاتورة الكهرباء بثمنها كان يُمكن أن أشتري محافظة عمان بأكملها! وأفكر هل يا ترى لو خلقتُ في زمن غير هذا القومي المليء بالحروب والطائفية، هل يُمكن أن أكون الآن في مكان آخر أُنجز شيئاً أنا الأخرى؟
كمتتبعة للأخبار هنا وهناك، وكشبه متضررة من كل الربيع الذي عصف بشرق الكرة الأرضية وأوسطها، كيف يُمكن أن أصدق بأن هذا أفضل ما قُدر لي! ألا يمكن أن يكون سايكس بيكو هو من جعل قَدَري يأخذ طريقاً مغايراً لما هو أفضل؟
ماذا عن هولوكوست هتلر، هل لعب دوراً هو الآخر وأزاحني من قائمة الأفضلية؟ وعمائم السياسة، وبرجي التجارة، واتفاقية أوسلو، وداعش؟ حسناً، الكثير يلعب في أفضلية موقعي، والكثير يتحكم بما يُمكنني فعله وأين يمكنني أن أصل وبحوزتي جواز سفري، وأي علم يُمكنني تعلمه، وأي شارع يتحملني به المارة بسبب أنني فضلت أن أُغطي شعري، هل حقاً هذا أفضل ما يُمكنني الحصول عليه!
لا أعتقد، فكل ما في الأمر أن هناك من سلبني الأفضلية ورغيف الخُبز، ومن وقع اتفاقيات ظلمتني، ومن ارتضى بأن يكون جواز السفر كورقة يانصيب تربح مرة من أصل مئة وفي حالات كثيرة قد تموت دون أن تربحها، كل ما في الأمر أن الأفضلية تُصنَع وإن فشلت في صنعها قم بسلبها وإلا سيستبدلونك ببقرة!
كل ما في الأمر أن المسرحية غطت الكرة الأرضية، ولكنها نصف مسرحية بمخطط كامل، الكبار يُمثلون النزاهة والشرف وحب الأرض ومصلحة الرعية، والرعية يموتون موتاً حقيقياً يخلو من أي كومبارس، أينما التفت ستجد مُخرجاً بمربع أسود ليصرخ ” أكشن ” بوسع الشرق الأوسط!
ويمتاز شرقنا الأوسط بالعديد من المواهب، ويتهافتون على أدوار البطولة الربيعية المليئة بالألوان. كل ما في الأمر أن حياتنا عبء على الكثير من المسرحيات.

مقالات ذات صلة

كل ما في الأمر أننا لن نكبر إذا لم يُسمح لنا وأن عبدالوهاب زاهدة اختصر جيلاً قبل أن يُخلق وخطّ في دفتره الفلسطيني كاتباً :
” حفظنا الدرسَ أن الصبر هو الترياقُ والبلسم
خبزناهُ أكلناهُ، فكانَ أمرَّ من علقم
ولم نعلم بأنّ الصبرَ أحياناً يكونُ أصمَّ .. بل أبكم
ولا يدري ولا يفهم ! ”

كان هذا الكوكب قديماً سريع الدوران فكان يُتم دورته الواحدة في أربع ساعات، أي أن اليوم كان أربع ساعات فقط، والأسبوع ثمانية وعشرون ساعة! تباطأت سرعته حتى وصلنا لهذه السرعة التي جعلت يومنا هو أربعة وعشرون ساعة، وبغض النظر عن أسناني فأعتقد بأنني أنتمي لذاك الزمان الذي بالتأكيد سأكون بعمري هذا مُسنة بشكل أكثر منطقية، بشكل يفوق السبعمئة عام، ولكن من يدري ومن يفهم!

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى