الخيوط الخفيّة وراء إغتيال عُمَر النايف / أيمن أبولبن

الخيوط الخفيّة وراء إغتيال عُمَر النايف
وُجِدت جثة “عمر النايف” القيادي في الجبهة الشعبية في باحة السفارة الفلسطينية الأسبوع الماضي وقد فارق الحياة. تعدّدت الروايات حول مقتله وتضاربت المعلومات، حيث قال السفير الفلسطيني أن النايف وُجِد في سيارة داخل حَرَم السفارة وهو في حالة حرجة وفارق الحياة في الطريق الى المستشفى، غير أن الأطباء الذين وصلوا الى الموقع قالوا أنه كان ملقىً في الفناء الخلفي للسفارة وتبيّن أنه قد فارق الحياة عند معاينته دون وجود آثار إطلاق رصاص.

عمر النايف كان قد إعتُقل في منتصف الثمانينات بتهمة قتل مستوطن اسرائيلي وحُكم عليه بالسجن المؤبد، تعرّض للتعذيب الجسدي طيلة فترة سجنه، ولم يجد بُدّاً من خوض تجربة إضراب عن الطعام للتخلص من واقعه المأساوي، وبعد أربعين يوماً تدهورت حالته الصحيّة ونُقل إثر ذلك إلى إحدى المستشفيات حيث إستغل النايف هذه الفرصة ونفّذ عملية هروب فريدة من نوعها بعد إنقضاء نحو خمسة أعوام من محكوميته. بعد عدة أعوام ظهر النايف في بلغاريا ممارساً حياته بشكل طبيعي بعد ان تزوّج وأنجب ثلاثة أطفال، مما حدا بإسرائيل إصدار مذكرة لوزارة العدل البلغارية في كانون أول الماضي تطالب فيها بإعتقال النايف وتسليمه لها، قرّر النايف على إثرها اللجوء إلى السفارة الفلسطينية في صوفيا لتوفير الحماية له، خصوصاً بعد تلقيه تهديدات بالقتل.

من الطبيعي أن تشير أصابع الإتهام في إغتيال النايف إلى الموساد الإسرائيلي، صاحب التاريخ الحافل في القتل المُنظّم والتصفية الجسدية على طريقة عصابات المافيا المُحترفة.اللافت أن اسرائيل تعتبر أن هذه الجرائم “الإرهابية” هي مطلب ضروري لإستمرار دولتها وتقدّمها وأنّ عملاءها الذين يمارسون هوايتهم في قتل الأهداف بدمٍ بارد هم أبطال قوميون، فلا عجب أن نعلم أن هؤلاء القتلة والسفّاحين قد تدرّجوا في سلّم الأجهزة الأمنية إلى أن وصلوا إلى أعلى الهرم بل وتعدّى بعضهم هذه الدرجة وصولاً الى مرتبة وزير أو رئيس وزراء، ولك أن تتخيّل معي المطبخ السياسي لدولة يمتلك رئيسها ووزراؤها ماضياً دامياً مليئاً بالمطاردات والإغتيالات !!.

إيهود بارارك رئيس الوزراء الأسبق على سبيل المثال كان قد شارك في أكثر من عملية ميدانية أشهرها عملية إغتيال القائد الثاني في منظمة فتح “خليل الوزير – أبو جهاد” في تونس، وهو شخصياً لا يتورّع عن ذكر ذلك في لقاءاته الصحفيّة وشهادته على التاريخ، بل أنه يفتخر بأنه احتفل مع زملائه بشرب الشمبانيا على متن القارب الذي أقلّهم في طريق العودة من تونس. بدورها لم تجد تسيفي ليفني وزيرة الخارجية السابقة حرجاً من الإعتراف بانها كانت ضابطة في المخابرات السرّية وأنها قامت بتصفية بعض الفلسطينيين المطلوبين، بل إنها استعملت جسدها “الفاتن” لممارسة الجنس والحصول على معلومات أمنية حسّاسة أو للإيقاع ببعض ضحايا الموساد.

هؤلاء هم من يقودون دولة إسرائيل النازيّة الجديدة أيها السادة !!

الموساد ومن قبله العصابات الصهيونية قاموا بتنفيذ عمليات تصفية جسدية في شتّى بقاع الأرض الصديقة منها والعدوّة، لكل من يشكّل خطراً على المشروع الصهيوني بما في ذلك علماء الذرّة العرب والأدباء والكتّاب والصحفيين، لذا فإن أقل واجب على كل حرٍّ وشريف أن يعرّي هؤلاء القتلة وكل من يخدم مصالحهم أمام التاريخ.

ولكن، هناك ثمّة أمور وتفاصيل تدعو الى الريبة والشك في كيفية تمكّن الموساد من إغتيال النايف في مقر السفارة الفلسطينية، حيث تشير المعلومات أن النايف لم يحظَ بحماية امنية من أجهزة السفارة، بل إن من الواضح أن السفارة الفلسطينية نفسها لم تشهد إجراءات أمنية من أي نوع، وأبسط دليل على ذلك هو عدم وجود كاميرات مراقبة حول وداخل السفارة !! بالإضافة إلى الحديث عن ضغوطات مورست على النايف لحثّه على تسليم نفسه ، بل إنّ زوجة النايف تدّعي أنه تعرّض لتهديدات واضحة
ويُشتبه بأن عمر النايف قد أُرغم على تناول كميات كبيرة من أدوية مخصصة لآلام المعدة ليلة مقتله، من شأنها التسبّب بإنهيار عصبي للجسم، لتحويل مقتله الى جريمة إنتحار، وتأتي شهادة الطبيب الفلسطيني الذي يحمل الجنسية البلغارية والذي عاين جثة النايف في موقع الجريمة، لتؤكد أن النايف سقط (أو أُلقي به) من احد طوابق السفارة مما أدّى لاحقاً إلى موته وأنه استطاع الزحف لمسافة تقارب المترين قبل أن يلقَ حتفه !!

نحن أمام جريمة إغتيال جرى التخطيط لها وتنفيذها بعناية وإتقان ليس هذا فحسب بل برويّة ودون إستعجال، وإن كان من شبه المؤكد ضلوع الموساد بعملية الإغتيال

عمر النايف مضى في طريقه وأنهى مشواره في الحياة بعد إن اتخذ قراره منذ زمن بعيد بأن لا يخضع للواقع ولا يقبل الخضوع لدولة الإحتلال، مارس عمل المقاومة في حياته ضمن الإمكانيات التي اتيحت له، كانت إرادته أقوى من سجنه وتصميمه على نيل حرّيته أقوى من رغبته بالعيش، خاطر بحياته حين خاض معركة “الأمعاء الخاوية”، وحين خدع الأجهزة الأمنية وهرب من سجنه. لكنه حين أراد أن يعيش عيشةً طبيعية مثل باقي البشر على سطح هذا الكوكب لاحقوه وحاصروه وقطعوا أنفاسه الزكيّة بمساعدة من صديق.

ستبقى صورة عمر النايف تطاردهم في مساءاتهم وسيشعر كل من ساهم في قتله بأنه قزم صغير أمام تحديه وصموده ورغبته في نيل حريّته، النايف وصمة عار على أجهزة السلطة الفلسطينية وسفارتها التي فشلت في تامين الحماية له وساهمت من قريب أو من بعيد بتصفيته جسدياً.

أيمن يوسف أبولبن
15-3-2016
كاتب ومُدوّن من الأردن
رابط المقال على القدس العربي
Ayman.abulaban@outlook.com

صفحة الكاتب على الفيسبوك
للتواصل عبر تويتر @ayman_abulaban

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى