
#التلاعب_بالعقول
د. هاشم غرايبة
منذ أن أعلن عن تشكيل المجلس الأعلى لتطوير المناهج في الأردن، توجس الناس خيفة، فقد اعتادوا منذ توقيع معاهدة وادي عربة المشؤومة، والتي ألزمت الجانب الأردني بتعديل المناهج بما يلغي من عقول الأجيال الجديدة قضية احتلال فلسطين، وتطبيعهم لتقبل الكيان اللقيط كدولة صديقة.
وقد وجهت الدولة وزارة التربية والتعليم للعمل بهذا الإتجاه، فتركت واجباتها ببناء جيل واعد لغد أفضل، وتركز الجهد على تعديل المناهج باتجاه تحقيق المتطلب الصهيوني، لكنها تقوم بذلك تدريجيا لتجنب الصدمة والرفض، فكانت الخطة بوضع مناهج جديدة في كل سنة، لذلك فلم تمر سنة دراسية منذ خمسة وعشرين عاما إلا وكانت هنالك طبعة جديدة من المناهج، ولتمرير ذلك كانت الذريعة أن المناهج تلقينية ولا تراعي الأساليب التربوية الحديثة التي تعلم الإبتكار والنقد، لكن المضحك في الأمر أن المناهج التي يتهمونها بالتلقينية هي ذاتها التي وضعها هؤلاء المنتقدون، لكنهم في العام التالي يعدلونها من جديد بالحجة ذاتها، ولم نصل طوال التجارب الخمسة والعشرين الماضية الى ما يعتبرونها (مناهج حديثة).
لو استعدنا ما تم (تطويره) خلال هذه الفترة لوجدناه محصورا بإلغاء تدريس القضية الفلسطينية، وتناسي نضالات الشعب الأردني الفلسطيني (الذي كان واحدا قبل الإنتداب) ضد عصابات اليهود المحمية من الجيش البريطاني، والقفز عن تاريخ الأردن التليد جميعه، وعلاقته الوطيدة بأمته من خلال انتمائه لبلاد الشام، واعتباره انه لم يكن شيئا مذكورا قبل قرار تشرشل بتأسيس الإٌمارة عام 1920، كما تم تحويل مادتي الدين واللغة العربية من أساسية الى ثقافة عامة.
رغم كل ذلك، يبدو أن ما تصبو إليه الحركة الصهيونية من تطبيع عقول الأجيال العربية القادمة، أكثر بكثير مما تحقق، وبالأخص الأردن، كونه البوابة نحو تحقيق الحلم الصهيوني بدولة من الفرات الى النيل، والذي هو ليس توهم مؤامرة كما يحاول عملاؤها المندسون بيننا إشاعته، بل هو مخطط حقيقي بدليل راية الكيان اللقيط، فالخطين الأزرقين عليها يرمزان للفرات والنيل تتوسطهما النجمة السداسية التي تمثل الدولة التي يعملون على تحقيقها، لكن ما لا يفطن لمعناه كثيرون هو أن الخطين ليسا في الطرفين تماما، بل وراءهما مساحة، ويعني أن الحلم متوسع ولا يتوقف عند حدود النهرين، أي لكامل العالم الإسلامي.
لذلك رأينا نقلة نوعية في هذا الجهد، بإنشاء مجلس أعلى للمناهج، ليتولى أهم المهام الفنية التي توكل عادة الى الكوادر الخبيرة في الوزارة، والتي تضع ظلت المناهج المشهود لها للأردن والدول الشقيقة منذ عشرات السنين.
كان القلق في محله، فقد أوكل المجلس الى مؤسسة “كولينز” البريطانية مهمة إعداد المناهج، ولمن لا يعلم ما هي هذه المؤسسة، يكفيه أنها واحدة من مجموعة الصهيوني “ميردوخ”، المعروف بأنه امبراطور الإعلام والنشر في الغرب، وللتعريف به فهو الداعم والمحرك لكل اللوبيات المؤيدة للكيان اللقيط، والبعبع الأكبر الذي يخشاه الساسة والكتاب والإعلاميون، فلا يجرؤون على انتقاد الكيان خوفا من تهمة معاداة السامية التي تقطع الأرزاق وتسقط السياسيين، كم أنه أكبر المؤيدين لترامب، وأتباعه يستحوذون على أكبر حصة في إدارته.
فهل نأمل من “ميردوخ” أن يكون حريصا على تربية جيل مخلص لوطنه منتمٍ لأمته؟.
إن تعيين شخص في وظيفة استشارية لهذا المجلس معروف بعدائه لعقيدة الأمة يكشف النوايا من إيجاد هذا المجلس ، فهذا الذي يطالب بشكل صريح من خلال مقالاته المنشورة بتنقية المناهج من الرموز الدينية باعتبار أن ذلك معركة فكرية هامة مكملة للحرب الأمريكية العسكرية على الإرهاب (الإسلام)، هل يؤمل منه أن يكون حريصا على تعزيز ارتباط الأجيال بعقيدة أمتها، أم الإلتحاق بثقافة العدو بذريعة أن الدين هو الذي أعاق تقدمنا ويجب نبذه.
كل ذلك انكشف مع صدور كتابي الرياضيات والعلوم كمقدمة لجس نبض الشارع، لكن المخلصين نجحوا في توعية الناس الذين انتفضوا، فتراجع هؤلاء المكلفون بالمهمة المؤامرة، وقالوا أن النسخة تجريبية، ربما لامتصاص الغضبة العامة، وربما مماطلة لشراء الوقت.
في هذا الوطن الذي جعله الله الثغر الأول للأمة في مواجهة العدو الطامع فيها، علينا الحذر وفتح العيون، فالعدو لن يكل ولا يمل من إعادة الكرة مرة بعد أخرى، سيما وأنه يجد لدينا متطوعين من ضعاف النفوس، ممن يبررون العمالة بالواقعية، والخيانة بالحرص على الوطن.