الانتخابات النيابية  …  هل هي كل الديمقراطية

الانتخابات النيابية  …  هل هي كل الديمقراطية

د. حازم سليمان التوبات

استاذ القانون الدستوري المساعد في جامعة جدارا

بداية لا بد من القول أن الديمقراطية هي البديل الغربي لنظام الشورى في الاسلام,  ولكنها أصبحت واقعا يجب التعامل معه في ظل تعذر تطبيق نظام الشورى. وتقوم الديمقراطية على أساس مفاده أن يقوم الشعب بإختيار السلطة الحاكمة التي تتولى ادارة شؤون الدولة وممارسة وظائفها الرئيسية من سن التشريعات التي تنظم العلاقات بين الافراد بعضهم ببعض,  وادارة شؤون الدولة الداخلية والخارجية وتحقيق العدل بين الناس.

فالسلطة الحاكمة وفقا للنظام الديمقراطي يجب أن تنبثق من الشعب ووفقا لإرادته الحرة لممارسة شؤون الحكم نيابة عنه .  ولتتمكن السلطة الحاكمة من ممارسة هذه الوظائف دون أن تستبد أو تطغى فقد تم تقسيمها الى ثلاث سلطات رئيسية مستقلة ومنفصلة عن بعضها البعض مع وجود تعاون وتداخل بينهما تتطلبه المصلحة العامة دون أن يمس هذا التداخل بجوهر الاستقلالية التي يجب أن تتمتع بها كل سلطة.  وتتمثل هذه السلطات بالسلطة التشريعية( البرلمان)  والسلطة التنفيذية( رئيس الدولة والحكومة) والسلطة القضائية ( المحاكم) بحيث تمارس السلطة التشريعية مهمة التشريع ومهمة الرقابة على أعمال السلطة التنفيذية,  كما تتولى السلطة التنفيذية ممارسة وظيفة ادارة شؤون الدولة الداخلية والخارجية بما يتضمنه ذلك من تحقيق الامن الداخلي والدفاع عن الدولة من أي اعتداء خارجي,  في حين تقوم السلطة القضائية بمهمة فض المنازعات بين الناس من خلال تطبيق القوانين التي تصدر عن السلطة التشريعية.

لذلك فإن جوهر الديمقراطية يستند على أساس قيام الشعب باختيار اعضاء السلطة التنفيذية واعضاء السلطة التشريعية لممارسة وظائف الدولة نيابة عنه. فرئيس الدولة أو رئيس الحكومة وفقا للنظام الديمقراطي يجب أن يكون منتخب من الشعب إما بطريقة الانتخاب المباشر أو غير المباشر. كما أن أعضاء البرلمان بشقيه الاعيان والنواب يجب كذلك أن يكونوا منتخبين من قبل الشعب , ويجب كذلك أن يكون هناك فصل حقيقي بين السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية,  ولا ضير وفقا للنظام الديمقراطي أن يكون هناك تداخل وتعاون بين السلطات تحقيقا للصالح العام بشرط الا يمس هذا التداخل بجوهر الهدف من الفصل بينهما .

كما أن الديمقراطية الحقيقية تتطلب أن تكون السلطة القضائية مستقلة استقلالا تاما عضويا ووظيفيا عن السلطة التنفيذية,  ومن مقتضيات هذا الاستقلال أن يقوم القضاة أنفسهم باختيار مجلسهم القضائي الذي يتولى شؤونهم وشؤون القضاء,  كما يتطلب استقلال القضاء كذلك ألا تمارس وظيفة القضاء على الاشخاص غير العسكريين أي جهة أخرى خارج نطاق السلطة القضائية.

وباسقاط هذه المعايير نظريا على واقع الاردن , نجد أن الشعب ليس له أي سلطة تذكر في اختيار اعضاء السلطة الحاكمة ما عدا انتخاب اعضاء مجلس النواب . فليس له الحق في اختيار رئيس الدولة ولا اختيار الحكومة,  كما لا يملك حق اختيار اعضاء مجلس الاعيان , وفيما يتعلق بالسلطة القضائية فلا يملك القضاة أي دور في اختيار أعضاء مجلسهم القضائي. وبالرجوع الى المبدأ الديمقراطي المتمثل في الفصل بين السلطة التنفيذية والتشريعية,  , فإن هذا الفصل ليس له تطبيقا واقعيا ملموسا,  بل على العكس , نجد أن السلطة التنفيذية قد تجاوزت أدنى مبادئ الديمقراطية وأعطت لنفسها الحق في وضع قانون الانتخاب الذي يقوم على اساسه مجلس النواب مستندة في ذلك الى تفسير مغلوط ومقصود لنصوص الدستور المتعلقة بالقوانين المؤقته.

فالمظهر الوحيد للديمقراطية في الاردن والمتمثل في اختيار أعضاء مجلس النواب لم يسلم من تدخل الحكومات فيه ولا أدل على ذلك من أن جميع الانتخابات التي أُجريت على اساسها انتخابات مجالس النواب , وحتى عام 2012 , كانت تجري على أساس قانون مؤقت صادر من السلطة التنفيذية في انتهاك صارخ لأدنى مقومات الديمقراطية ومبدأ الفصل بين السلطات,  فأي استقلالية مرتجاه من مجلس نواب ينشأ بقانون صادر عن الحكومة ومتلازم مع نظام الدوائرالانتخابية الصادر من قبلها أيضا. علاوة على  ذلك وبشهادة الجهات الرسمية لم تخل تلك الانتخابات من التزوير وتدخل الجهات الامنية , وبشهادة أحد مدراء المحابرات السابقيين الذي اعترف بأنه عين في احد الانتخابات 80 نائبا,  ووفقا لما اكده كذلك رئيس الهيئة المستقلة للانتخابات عندما صرح بأن عهد تزوير الانتخابات قد انتهى , مما يعطي اشارة واضحة على أن الانتخابات السابقة كانت مزورة. كل هذه المعطيات ظهرت نتائجها على مخرجات مجالس النواب المتتالية والتي اصبحت تابع مطيع للحكومات ومشرع مخلص لكل توجهات ورغبات الحكومات حتى ولو كانت على حساب المواطن , هذه المجرجات وهذا الواقع انعكس على ردة الفعل الشعبية لانتخابات مجلس النواب الحالي( التاسع عشر)  حيث فقدت الغالبية العظمى من الشعب الثقة بالنهج السياسي المتبع وبالعملية الانتخابية برمتها بما فيها قانون الانتخاب الذي تجري على اساسه الانتخابات النيابية.  فكانت الكلمة السائدة في الانتخابات هي المقاظعة , حيث أن ما نسبتة 70% من الشعب قاطع الانتخابات بدافع  رئيسي هو عدم القناعة بالعملية الانتخابة وليس كما تدعي الجهات الرسمية خوفا من وباء كورونا, فالشعب الذي يخاف من كورونا وبأدنى تقدير تجده يلتزم بلباس الكمامة وهذا ما لا يحصل.  ولمعرفة الوزن التمثيلي لهذا المجلس لا بد من الاستعانة  بلغة الارقام:

  • عدد الناخبين على مستوى المملكة ( 4640643) ناخب. وهم ما يشكلون تقريبا نسبة (45% ) من المقيمين على اراضي الدولة الاردنية
  • عدد المقترعين (  1387698) مقترع ,  ويشكلون ما نسبته ( 29,90% ) من عدد الناخبين.
  • عدد الاصوات الانتخابية التي ذهبت للفائزين بمقعد انتخابي  هي  ( 533358) مقترع وبنسبة ( 38.43% ) من عدد المقترعين,   وتشكل كذلك ما نسبته(11.49%) من عدد الناخبين .

ومن هنا فإن هذا المجلس لا يمثل الارادة الشعبية ولا يمكن اعتباره ممثلا للشعب لانه يمثل ما  نسبته فقط (11,49%)   من افراد الشعب السياسي الذين يحق لهم الاقتراع. كما ان هذه النسبة تعطي مؤشر على فشل  العملية الانتخابية حتى ولو لمسنا نجاحا في الاجراءات التنظيمية للانتخابات ,  لأن النجاح الحقيقي هو اقناع الشعب بجدية الاصلاح السياسي, وبجدية التوجه لإخراج برلمان يمثل تطلعات الشعب وطموحاته, ووفقا لقانون انتخاب توافقي يحضى بالقبول الشعبي ويكرس العمل الرقابي والبرامج الاصلاحية. وليس قانون انتخاب اساسه القوائم الشكلية  التي تفتفد إلى التوافق بين اعضاءها فلا يوجد بينهم أي قواسم مشتركة سواء تحقيق متطلبات القانون بالانضمام الى قائمة.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى