الاعلام الذي نريد!؟ / المحامي عبد الرؤوف التل

الاعلام الذي نريد!؟
المحامي عبد الرؤوف التل

واهم كل الوهم من يظن أن الاعلام بوسائله المختلفة القديمة والحديثة منفصلاً عن واقع الناس، منفصلاً عن حاجة الجماهير الضرورية، منفصلاً عن المشاكل السياسية والثقافية والاجتماعية، منفصلاً عن المشاكل والحروب والفتن التي تعصف بالدول وتبيد الكثير من البشر حولنا، ويغذيها إعلام لا يعترف بالحقيقة بل يمارس سياسة تجريف الوعي ونشر الباطل والأكاذيب.
الاعلام في حقيقة الامر ناقل للواقع بكل ما فيه من قبح وجمال، وليس من دور الاعلام ولا من مهمته إضفاء الجمال و الخير والصدق على ما يحدث في واقع الحياة، بل إن من واجبه ودوره ذكر الحقيقة كما حدثت في الواقع حتى يتمكن صاحب القرار من اتخاذ قراره المناسب ووضع الحلول للمشاكل والتحديات.
إن جوهر الاعلام يتمثل في حرية تدفق المعلومات والسماح لهذا المعلومات في أن ترى النور ويطلع عليها ويعرفها كل انسان على حقيقتها كما حدثت في أماكن وقوعها، وبعد ذلك يكون من حق الكاتب أن يدلى برأيه حول المعلومات ومدى صدقها أو كذبها.
إن وسائل الاعلام الحديثة تطورت كثيراً عما كانت عليه قبل خمسة عقود بسبب الثورة التكنولوجية الهائلة التي شهدها العالم، و التي ساعدت على انتشار وسائل الاعلام على نطاق واسع و تعدد وسائلها و اصبح كل فرد في العالم يستطيع أن يصنع لنفسه وسيلة إعلام خاصة به و أصبح الفضاء الواسع مليئاً بالأقمار الصناعية التي ترسل الصوت و الصورة لكل بقاع العالم لحظة حدوثها، و هذه ثورة غير مسبوقة في تاريخ العالم، و الاعلام بوسائله المختلفة استفاد من هذه الثورة التكنولوجية، و صار الانترنت و وسائل التواصل الاجتماعي من تويتر و انستغرام و قوقل كل إنسان قادر على استعمالها و استقبالها.
لكن ما يؤسف له و يحزن في نفس الحر من ألم يمزق القلب أن بعض الافراد و المؤسسات و الشركات و ربما الأحزاب و الحكومات تبث بهذه الوسائل الحديثة كثيراً من الكذب و الشائعات و الافتراءات التي لا أساس لها من الصحة من ذلك توجيه الاتهامات لهذا الشخص او ذلك، بسوء الأمانة و عدم القدرة على تحمل المسؤولية او الرشوة و الاختلاس مع الأصل في الانسان براءة الذمة حتى يتم إدانته، أما ان يتم اغتيال الشخصية و تلويث السمعة فهو عمل غير مقبول، لأنه يثير الفتن بين الناس و يصنع العداوات و الضغائن التي لا تحمد عقابها و تترك أثار سلبية في المجتمع.
لذلك فإن ذكر الحقيقة هو الذي يجب أن يقال، وأن توجد وسائل ومنصات تواصل اجتماعي تركز على الاخلاق الحميدة التي تجمل الحياة، وأن الهدف من الاعلام هو ذكر الحقائق المجردة لا نشر الأكاذيب والشائعات التي تلوث الحياة وتنغصها.
الاعلام الذي نريد هو الذي يشجع على النقد السياسي والاقتصادي وعلى الآفات الاجتماعية، النقد الهادف الذي يشجع التنمية ويخلق الوعي لدى الفرد والجماعة، وأن نجاح أي مؤسسة أو شركة أو دائرة حكومية هو نجاح لكل مواطنـ والنقد المقصود به التركيز على الخطأ للابتعاد عنه، وتشجيع الصواب وتثمينه لأن العمل الناجح يصب في مصلحة التقدم والنهوض بالتنمية، والعمل الناجح لا يمكن أن يقوم به إلا صاحب الخلق الرفيع.
أما الذين يبثون الشائعات والأكاذيب يسيئون لأنفسهم والمجتمع ولا يسهمون في خدمة التقدم والتنمية.
الاعلام الذي نريد هو الاعلام الناجح الذي يكشف الحقيقة ويبينها للناس كما هي دون تزويق لها، حتى لا نصنع دعاية للحقيقة الواضحة التي تكشف عن نفسها والتي لا يستطيع أحد طمسها وتغطيتها.
الاعلام الذي نريد، هو الذي يساعد في تكوين رأي عام واعي وناضج ودافع للمواطن أن يقوم بواجبه المكلف به على أكمل وجه بصدق وأمانة ويركز على نجاح المؤسسات العامة والخاصة لأن نجاح هذه المؤسسات يعود بالفائدة عليه وعلى المجتمع.
نريد إعلاماً جسوراً شجاعاً يشير الى الخطأ ومن ارتكبه ويعمل على تصويبه، لأننا بمثل هذا الاعلام نحارب الفساد والفاسدين، ونكشف الزيف والخداع.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى