الاعتماد على الذات وريفنا الأردني أنموذجا / المهندس جادالله المعايطة

الاعتماد على الذات وريفنا الأردني أنموذجا

من منا لا يتذكر ، خاصة الجيل الذين هم بعمري، ومن قبلهم بعقد من الزمان ، كيف كانت حياتنا في قرانا وبوادينا، حيث تجلت فيها مبدأ الاعتماد على الذات بأبهى صوره ، وهو المطلب الذي تنادي به الحكومة في وقتنا الحاضر.
ومن هذه الصور التي عايشناها بكل تفاصيلها الآتي :
• كانت العائلة توفر قوتها ومستلزمات حياتها من الزراعة بشقيها النباتي والحيواني.
حيث تلاشت الفروق بين معيشة الغني والفقير . يدخرون إنتاجهم من المحاصيل
ك (القمح ،العدس ،الحمص ، لبن الجميد ، السمن وغيرها ، ما يكفي مئونتهم للموسم القادم ويسوقون الفائض منها للأسواق لشراء ما يلزم من أساسيات حياتهم . بالإضافة لمحاصيل أخرى مئونة لحيواناتهم من ( شعير ، كرسنة ، ذرة ، وغيرها ) بالإضافة إلى التبن .
وقد كان لا يخلو بيت من بضع دجاجات لتأمين حاجة العائلة من البيض واللحم.
وبهذا فان العائلة قد حققت مبدأ الاعتماد على الذات ، وقريبة جدا من تحقيق الاكتفاء الذاتي .
• أما في مجال العمل : فقد كان كل أفراد الأسرة يعملون متعاونين كخلية نحل ، في انجاز جميع المهام الضرورية ، فالمرأة تعنى بشؤون البيت ومتطلبات الأسرة ، بالإضافة إلى الحلابة وتصنيع مشتقات الألبان ، والأبناء حتى من هم صغار ويتلقون التعليم في المدارس يساعدون في رعاية الأغنام والحصاد وما يتبعها من عمليات زراعية خاصة في العطلة الصيفية .
أما الأيدي العاملة الوافدة ليس لهم وجود ، فالرعيان وعمال البناء والحرفيين ، كانوا من أهل البلد ولم نشهد ثقافة العيب من العمل كما هو اليوم ، والتي بدأت في ثمانينيات القرن الماضي .
وقد كان العمل التعاوني سائداً في سلوك أفراد المجتمع أو ما يسمى ( بالعونة ) وكم شهدنا من مظاهرها في تجهيز بيوت الطين استعداداً لفصل الشتاء أو أيام الحصاد أو عند جز صوف الأغنام أو ما يسمى ( القصاص) بكسر القاف.
• أما التكافل الاجتماعي : فلا أروع من مضاهر تجليها في مناسبات الأفراح والأتراح ، بلا تكلف أو ما يرهق كاهلهم ،وقد شهدنا صورة منها بما يسمى ( المنوحة وجمعها منايح ) خاصة في فصل الربيع حيث يعطى عدد من الأغنام لذو حاجة لرعايتها والاعتناء بها والاستفادة من إنتاجها لتوفير قوت أهله ومن ثم إرجاعها بعد انتهاء الموسم . بطريقة عزيزة لا تمتهن من كرامته أو تحط من قدره .
هكذا كانت حياة الريف، حياة رغم قساوتها ، إلا أنها تثير في النفس ذكريات جميلة نحِن لها
ولن ننساها ، أسلوب حياة لو تمسكنا به وطورناه لما وصلنا إلى ما نحن فيه من أوضاع صعبة لا تخفى على أحد منا ، اذ لا يمنع من التطور والتقدم في أسلوب الحياة مع المحافظة على موروثنا وأصالتنا كباقي الأمم تحقيقأ لمبدأ الأصالة والمعاصرة.
إلا أنه يبدو أن نظرية المؤامرة قد حيكت لنا بليل حتى أصبحنا معتمدين على الاستيراد ، ولعمري بأن دولة رئيس الوزراء الأسبق الشهيد وصفي التل قد استشرف المستقبل عندما كان يدعو للتمسك بالأرض وزراعتها ممن كان يطلب منه وظيفة.

المهندس جادالله سليمان المعايطة

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى