اقلعوه عالرويشد / جمال الدويري

اقلعوه عالرويشد

كنت اسمع فيما سلف من الدهر: والله ونفوه عالعقبة، اي ابعدوه قسرا من مكان مولده ومدرج صباه وأهله الى اقصى مكان ممكن داخل حدود المملكة، تخلصا منه وحجبا لرأيه وتواصله مع الرأي العام، ربما لمخالفة فكرية او قانونية اقترفها لم تروق للسادة اولياء الأمر.
ولما انتفت المسافات واختفت بين الخلائق الفراسخ وبعد الشقة المكانية، وأصبح للتواصل اشكالا اخرى، اسرع وأعم وأشمل، وموبايلا ذكيا، يصل أقاصي المعمورة بأقاصيها، وأصبحت الأقمار الصناعية هي حمامنا الزاجل التي لا يحجبها غيم ولا تتعبها الاف الأميال، ولا تحتاج لاستراحة للتزود بالطعام والشراب، فأصبح الابعاد والنفي، غير مجدٍ او مؤدٍ لغرض العقوبة التأديبية والعزل الحسي بين الأشخاص والجماعات، وحتى ان السجن لم يعد عزلا بالمعنى الذي كان دارجا قبل الثورة التقنية والاليكترونية.
ولكن من اعتقد ذلك، قد تأكد له بالأمس ان وزيرا في حكومة عصرية جدا، موديل 2019, ما زال يفكر بعقوبات القرون الوسطى واليات توليد النار بحك الصوان ولف الخازوق الخشبي.
صاحب المعالي هذا، لم يرق له جرأة احد موظفي وزارته وابداء الرأي المهني بحضرة معاليه، وبشأن يخص حرفة هذا الموظف ومهام وظيفته ومجال عمله المباشر، واستكثر واستكبر عليه ان يزعج زيارته بغث الكلام ونصح تحسين ظروف العمل والخدمات المقدمة للمواطنين، حتى ان معاليه، نسق بنزقه وعصبيته واستكباره، بنقل هذا (المختبرجي) الغلبان، الى اقصى شرق المملكة من غربها، توبيخا له وتجريما ونفيا وظيفيا تعسفيا وعقابيا، لأنه تجرأ على الحديث بحضرة صاحب الوزارة شخصيا.
ولولا رحمة الله، وضغط الاعلام وبعض اصحاب الضمائر، لنفذ قدر الوزير وتقديره ووقعت العقوبة و(تشعْتل) الموظف اياه في اصقاع الوطن الشرقية تاركا خلفه وطنه في الأغوار.
وهذا بالتأكيد، غيض من فيض من اشكال التعسف واستغلال المنصب وسوء الادارة غير المحمود، وان تعطل هذا النقل التعسفي، فكم نفذت اخرى، بل كم خسر احدهم وظيفته حتى ودخله وقوت عياله، لأن مديره او وزيره ظلمه او تعسف بشأنه؟
فيا أصحاب المناصب وولاة الأمور، اتقوا الله اولا، وراعوا ضمائركم والقوانين والأنظمة التي تحكم بالضرورة، العلاقة بينكم وبين من وُلّيتم امرهم، فكلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته، والرعي هنا الرعاية وحسن المعاملة والادارة وليس ما يفعله المرياع ابو جرس.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى