اقتصاد ” اللقمة السريعة” / يوسف القرشي

اقتصاد ” اللقمة السريعة”

عدد لا بأس به من مشاكل الأردن السياسية سببها اقتصادي ، والعكس صحيح ؛ فالكثير من مشاكل الأردن الاقتصادية سببها سياسي وهكذا ..
ومجال السياسة مرتبط ارتباطاً عضوياً _ من حيث أدبياته وتطبيقاته _ بالاقتصاد ، ولذلك تجد معظم الأيديولوجيات السياسية ذات ذراع اقتصادي (كالليبرالية الديمقراطية) إن لم تكن قائمة بالأساس على عناصر بناء اقتصادية أو نموذج تفسيري اقتصاد_اجتماعي ( كما هو الحال مع الاشتراكية ) .
هذه المقدمة الطللية ضرورية لنحاول معاً فهم الطريقة التي يتبعها الاقتصاد الأردني داخل أزمته الحالية ؛ فمعدلات التضخم تزداد والدين العام يكاد يصل ل96% بالمئة من الناتج القومي مسجلاً مبلغ ال40 مليار ، يلوح في أفق مستقبل أي أردني شاب يحاول أن يكون جزءً فعالاً في بلده .
إذن ما سبب ما نحن فيه من دائرة مغلقة من المشكلات السياسية والاقتصادية ؟
سيناقش الكثيرون أثر القوى العالمية و انهيار اقتصاديات دول الجوار ، وتخلي الداعمين والحلفاء التقليديين عن التزاماتهم ، والفساد المستشري و ضعف الإمكانيات المادية وقلة المواد الخام و تأثر الأسواق المالية الأردنية بالسوق الخليجي الذي يعاني أزمته الأخرى … وهذا كله لا يمكن إنكاره ، لكننا دولة يكاد يصل عمرها 100 عام فلنتحدث حديث الكبار إذن .
حتى حكومة النسور كانت تتعامل الحكومات المتعاقبة مع الملف الاقتصادي بسياسة ( بس ييجي الصبي.. ) أي أنها تحترف بطريقة أو بأخرى اتخاذ القرار الذي يتحمل عواقبه من يأتي بعدهم خصوصاً مع توفر المساعدات شبه المضمونة في ظنهم من الدول الغنية المحيطة ، واستمر التأجيل حتى جاءت حكومة النسور لتحكم مدة طويلة نسبياً وفي ظروف متوترة تجعلها مضطرة للتعامل مع المشاكل المتراكمة خاصة بعد تهلهل سيل المساعدات وانقطاعه أحيانا ، ومشكلة الغاز المصري و مشكلة اللجوء وغيرها.
التعامل مع هذه المشاكل يعني اجراءات مفاجأة توازي السنوات التي تم فيها تأجيل الحل ، وبدلاً من أن تتوجه الحكومة لتحويل الأردن لبيئة منتجة على أي صعيد كان تتوجه الحكومة لجيب المواطن بشكل مباشر لتنهك الرواتب المتهالكة أصلاً ، فتنخفض القوة الشرائية للمواطن فتنخفض الأرباح فتخف السيولة مما يؤثر على جيب المواطن وهكذا في حلقة مفرغة .
تأتي حكومة الملقي لتكمل نهج النظر إلى جيب المواطن وتزيد عليها موقفنا الرافض كأردنيين شعباً وحكومة من قضية القدس كعاصمة للكيان الصهيوني فيدفع الأردن مرة أخرى ثمناً اقتصادياً باهظاً على صعيد الدعم الأمريكي و غيره فيزداد الحمل على الأردن كدولة ، وبدلاٌ من أن نتعلم من تجاربنا لمدة 100 عام (والتي أخبرتنا أننا يجب ألا نعتمد على غيرنا لنبني اقتصادنا) قمنا بالتوجه لجيب المواطن لتسديد فواتير الحكومات المتعاقبة بحق أو بباطل ، فصار المواطن لا يملك قوت يومه ويضطر للعمل المتواصل دون نتيجة تذكر .
المهم .. ما الذي يحدث ؟ وما الذي يجب أن يحدث ؟
ما يحدث هو أن الدولة ترى في كل مجال عمل مزدهر لقلة الضرائب فيه فرصة لتحصيل الضرائب فتفرض الضرائب فينهار السوق فتتفاجئ الحكومة من الحدث الرهيب ، كما حدث مع تجارة الهايبرد ، حيث كانت مزدهرة ومربحة فوضعت الحكومة الضرائب فانخفضت عائدات الهاييرد 99 % حسب الصحف الرسمية ، وغيرها كثير .
المشكلة أن بعض المسؤلين ينظر للموضوع بكل بساطة فيقول : هذا السوق فيه 100 مليوم دينار فلو فرضنا ضريبة 20% فسنربح 20 مليون ، هكذا بكل سهولة دون أن يضع الف باءات الاقتصاد أمام عينيه .
ما يجب أن يحدث هو توجه الدولة لخلق بيئة استثمارية لا تجلب ربحاً الآن ، بل بعد فترة وبشكل ثابت ومستمر و تفضيل هذا على اللقمة السريعة على شكل الضرائب الفجائية التي تجلب التاجر والمواطن والاقتصاد في خبر كان .
تنتقي الحكومة فيه قطاعاً معيناً : لنقل الصناعة ؛ فتعفي المصانع من جمرك المواد الخام، وضريبة القيمة المضافة والدخل وترخيص المركبات مثلا لمدة عامين ثم ترفعا تدريجياً في السنوات الخمس التالية… هذا سيجعل من الأردن بلداً صناعياً يهرب إليه المصنعون هرباً من الضرائب ، و ستعين هذه المصانع الآلاف من الأردنيين وتضخ العملة الصعبة في المصارف الأردنية ، طبعاً سيرى بعض المسؤلين هذه خسارة لضرائب 7 سنوات ناسياً أن المصانع لن تأتيك أساساً بسياستك الضريبية الحالية.
وإذا لم ترد تطوير الصناعة ولا الزراعة ، فلم يبق لك إلا التجارة ؛ اجعل الأردن جنة للتجارة ولمرور البضائع والاستيراد منها ولها ، اقتصاد دبي كاملاً يقوم على هذا ، ليس عندنا البحر لكن عندنا الموقع والسوق المحتمل ، وستتقاتل الشركات على فتح أسواقها لديك إن أزلت الجمارك العالية .
الدول ترفع الجمارك وتخفض الضرائب على الصناعة لتشجع الصناعة الوطنية ، أو تخفض الجمارك لتشجع التجارة الخارجية ، أما أن ترفع الجمارك والضرائب على الصناعة !! ماذا تريد بالضبط؟!

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى