“دول الكعكة” / أحمد هاني النجار

“دول الكعكة”

تسارع عجلة الأحداث في الشرق الأوسط في الآونة الأخيرة يدلُّ على وجود تنازعات قديمة جديدة في المنطقة من قِبل دول عظمى ليسوا ضمن منطقة الشرق الأوسط أصلاً !
فكعكة الشرق الأوسط يتناوب على تقطيعها من جديد في عيد ميلاد دولها دولاً عظمى الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا وفرنسا وبريطانيا ومن جديد إيران بلون مشروعها التمددي في المنطقة .
وهذا الحدث المدروس مسبقاً أصبح واضحاً في الأشهر الماضية وتحديداً بعد الإتفاقيات والتحالفات الجديدة في المنطقة, وبعد صفقات بيع الجزر والأراضي الحدودية, وبعد تجميد أرصدة “الحيتان”, وبعد الحروب المبطّنة والقائمة في اليمن والعراق وسوريا, عدا عن الحروب الباردة التي طالت لبنان وليبيا, وبعد دعم الأقليات مثل الأكراد, وتهميش الجماعات الإسلامية في إفريقيا وبورما مثلاً .
ولكل حدثٍ مُحدثٌ يقف خلف الكواليس, فمن كان يتصوّر الكم الهائل من الدعم المادي والعسكري لأكراد العراق, أو التهميش الإعلاني والحقوقي للمجازر التي تحدث في بورما وإفريقيا والتطهيرات العرقية هناك !
أما عن الشرق الأوسط فهناك خيوطٌ تحرّك الدمى ولكل دميةٍ وقتٌ وموضعٌ وأهمية في يد “الماريوني”, قبل سنة 1982 كانت القضية الفلسطينية هي القضية الوحيدة في ذهن الشارع العربي, وبعدها أتت لتشاركها القضية اللبنانية في حرب الجنوب حتى عام الـ2000, وبالطبع حرب الخليج في سنة 1991 كان لها وقعٌ مهم في المنطقة وفعٌ يجعلُ منها حرباً مؤبّدةً تجعلُ من الحرب على العراق في الـ2003 قضية أخذ حقٍ وثأر في نظر بعض الدول المتضررة من حرب الخليج حيث أنها كانت الشريان الرئيسي في الدعم المالي الممول للحرب على العراق عدا إشتراكها في الدعم العسكري بوجود قواعد الطيران الموجودة على أرضها والتي وفّرت الجهد والتكلفة على الدول المحتلة, ثم تتوالى ثورات الربيع على الدول التي قد سبق وتنازلت وباعت مواردها وكرامتها ولقمة عيش فقرائها المهمّشين عبر سنواتٍ طويلة مقابل أرصدةٍ خاصة ومسميّاتٍ واعتبارات, أولها كان في تونس, ثم مصر, فليبيا, فاليمن وأخيراً في سوريا .
ومن كل ثورةٍ إلى ثورة كان يشتدُّ الرد على الشعب المُطالب وتفيض الدماء أكثر والمعتقلات تمتلئُ بنسبٍ متزايدة, فكانت نتيجة البحث عن السبب “عبقرية” وتحت كلمة “عبقرية” ألف ألف خط !, كانت النتيجة هي أن ثورات الربيع العربي هي من جلب الدمار على المنطقة !
نعم كان الشعبُ المُطالبُ والباحث عن لقمة العيش البسيط هو سبب كل هذا الدمار الذي وقع على رأس المنطقة, ولا دخل لسوء الإدارة في الأمر, ولا للفساد, ولا للتنازل والتطبيع والتخلّي !
الثورة الليبية كانت الثورة المدروسة والمتوقعة وبدليل التحالف الذي طرأ عليها والإتفاقيات المنصوصة بعد إسقاط نظام “معمّر القذافي” هناك, أما عن مصر فكانت ثورة متروكة وبلا نتائج متوقعة ولهذا نجح “الإخوان المسلمين” في الوصول إلى الرئاسة ولم يلبثوا كثيراً حتى عادت الأمور إلى مجاريها المعتادة والمرسومة .
وأما عن اليمن فهي ثورة انتهت وانقضت بعد إندلاعها بأشهرٍ فقط, حتى مرّت عليها “عاصفة حزم” لم تكن حازمة إلا على نفسها !
وكانت الثورة السورية هي أيقونة الثورات التي تغنّى بها الفساد وجعلوا منها فزاعة أمام الشعوب, فالدم الفائض في سوريا سيكفي الأرض لترتوي وتخضبُّ, والمجازر المروّعة وقعت في نفوس العالم الإنسانيّ بشكل خاص, فلم تكن ثورة بل كانت جريمةً بحق الإنسانية, ووصمة عارٍ في كل الأيادي العابثة فيها مثل الدول الداعمة والممولة لبعض الجماعات والأحزاب الدخيلة في الفترة الأولى من ثورة الشعب السوري, ولن ينسى التاريخ ذلك .
وما زالت عجلة الأحداث في تسارعٍ مستمر لا ينتهي, فبعد هذا وذاك تعود بعض الدول العابثة في المنطقة إلى بيعٍ وتنازلٍ عن ممتلكات شعوبها وحقوقهم, عدا عن محاصرة دولٍ شقيقة لها, وإبرام إتفاقيات حساسة جداً في المنطقة تخص القضية الأولى في الذهن العربي أقصد “قضية فلسطين”, ولهذا السبب تحديداً أقول أنها عجلةُ أحداث تدور؛ فكلما دارت ستعود إلى المصيبة الأولى فيها وهي المشروع الصهيوني في المنطقة, والذي يعدُّ قرباناً لدول “الكعكة” في الشرقة الأوسط, قرباناً ما زال يقربهم من الدول العظمى زلفاً !
أما عن التقسيم الجديد في المنطقة فهو يخص روسيا حليفة إيران والتي تسيطر على العراق وسوريا ولبنان واليمن والبحرين بشكل غير مباشر, والولايات المتحدة الأمريكية التي تسيطر على الخليج العربي ومصر, وعن كثب نرى طاولة المفاوضات وتحتها تتصافح الدول العميقة وتتناطح الدول العظمي لها وأما الضحايا فهم “شعوب الكعكة, وساحة القتال, وفض النزاع” ألا هي أوطاننا ونحن الشعوب .
والتساؤل هنا عن حجم الصراعات التي سنتفاجئ بها في الفترة القادمة التي ستكون حقبة عبثية جديدة في المنطقة بأسرها؟

اظهر المزيد

تعليق واحد

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى