التعددية في الإسلام / د . هاشم غرايبة

التعددية في الإسلام
يعتقد بعض قليلي التعمق في الإسلام أنه قالب مغلق على نمط فكري محدد، فيلجأ من يعادونه الى طرح أسئلة من نمط : هل التفكير متاح أم أن الإيمان يوجب عليك التسليم والإذعان ؟، أو هل يباح التفكير الحر في الإسلام لدرجة رفض أو قبول بعض الأمور الغيبية ؟.
بداية يجب تحديد من هو المسلم، فالمرء يصبح مسلما فورا ومن غير حاجة الى استئذان أحد أو موافقة أية جهة وذلك بإحدى وسيلتين: أولهما النسب أي ولادته لأب مسلم لأن الأب هو الأجدر برعاية وتوجيه الإبن، وثانيهما أن ينطق طوعيا وبقناعته بالشهادتين.
إذن المضمون الفكري المسلم هو ذلك الشخص الذي يؤمن بالوهية ووحدانية الله عز وجل وبرسالة محمد عليه الصلاة والسلام، يبقى مسلما ما دام موقنا بها، وينتقض إسلامه إن أنكر بعضا منها .
إذن هذه هي حدود الحرية الفكرية ، وهذا منطق مفهوم الإعتقاد، إذ كيف يبقى المرء موقنا عقديا بالكلية بينما هو متشكك في الجزئية ؟.
أركان الإيمان أي مبادؤه الأساسية تحددها الآية الكريمة:” آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ “، وبذلك حددت بخمسة عناصر هي الإيمان بمضمون الرسالة والإيمان بالله والملائكة والكتب السماوية وبالرسل جميعا، ثم حددت الكيفية بأمرين هما عدم التفريق في المنزلة بين الرسل والقبول والتسليم بالغيبيات لأنها خارج قدرة العقل فلا تخضع للتفسير أو المحاكمة العقلية.
لو استعرضنا جميع ما انتجه الفكر البشري التراكمي سنجد أنه لم يستطع أن يُكوّن عقيدة متكاملة الأركان يمكن اعتبارها منهجا يحقق غايات تنظيم المجتمعات وحل مشكلاتها وإسعاد البشر، كل ما أنجزه لا يعدو كونه نظريات وأفكار تعالج مسائل جزئية ، لكن الإسلام أوجد منظومة تشريعية متكاملة تناولت الكليات الأساسية الضابطة للسلوك البشري ( الإيمان بأن الله مطلع على النوايا والأعمال– التقوى أساس الصلاح – يوم الحساب – الثواب والعقاب ) ثم تشريعات تفصيلية تشمل مختلف العلاقات الإجتماعية والإقتصادية والشخصية ، ثم معالجات للإنضباط بالتشريعات ( تحديد الحلال والحرام –العقوبات – الحدود).
إن القواعد الأساسية للتعددية الفكرية في الإسلام تنبثق من أن الحرية منبثقة عن العبودية لله تعالى، فالمسلم عبد لله أولاً، ثم هو متحرر بهذه العبودية، لا متحرر منها، لأنها هي التي تحرره من العبودية للبشر .
لذلك فله الحق في الإجتهاد فيما لم يرد فيه نص وذلك أغلبه في الرأي السياسي والإداري، ويدخل في هذا النوع: التعدد في طرق التفكير في شؤون الدنيا، ووجوه الكسب، وفي عمران الأرض وسبل النفع العام.
ويشترط فيها مراعاة قاعدة المصلحة والمفسدة في تصرفات المكلفين، وهي قاعدة من قواعد السياسة الشرعية ومن مقاصدها: الإبقاء على تماسك الأمة، وتعظيم هيبتها في النفوس، وتكريس النظام العام فيها، والحيلولة دون الانجرار إلى الفتنة والاحتراب الداخلي في المجتمع المسلم. (*)
والوجه الشرعي لا يمنع من الأخذ بالصالح من هذه القواعد، ما دام لا يخالف شرعاً، أو كان يُحصّل مصلحة أعلى، أو يدرأ مفسدة أكبر، خصوصاً في هذه الأزمنة المتأخرة عن زمن الدولة الإسلامية الأولى، حيث تشعبت فيها مذاهب الناس، واشتقت كل طائفة لنفسها أصولاً ومذاهب فارقت بها جماعة المسلمين، ومع أن التمسك بالعروة الوثقى يستلزم اتباع الكتاب والسنة ( أهل السنة والجماعة )، لكنه لم يعد ممكناً عسف الناس على أصل واحد عملياً، وإن كان يمكن دعوتهم إلى ذلك نظرياً.
(*): خالد المزيني، التعددية الفكرية

اظهر المزيد

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى