إضراب ١٠١ / مريم الدجاني

إضراب ١٠١
أنا أتحرق شوقاً لإضراب اليوم!
فلأول مرة سنشهد حركة شعبية في الأردن بهذا النضج وهذا التوحُّد. فالمقياس الأساسي الذي يحدد أي حركة شعبية، ليس الأصل لقوادها، وإنما هو في الدرجة الأولى الطبقة الاجتماعية التي توجه الحركة ضده.
سنشهد حركة شعبية منظمة ذاتياً ضد الاستبداد. ضد تحكم  طبقة من البشر في حقوقنا وبلا خوف من التبعة.

أنا متشوقة لأبصر ألوان طيف جديدة، لم أبصرها من قبل. فإن مظهر الأشياء يتغير عند الاحتكاك بالجماهير الغارقة في العذاب. يمكننا أن نرى واقعاً حياً متحركاً متبدلاً، لا تعلم عنه شيئاً بعض الأوساط السياسية التي يدهشنا ألا يستشيرها بحارة أبحروا بلا بطاقات. إن الحياة وحدها هي التي تصحح خطأ من يخطئ في الغرفة، باحثاً عن الحقيقة كوسيط جنوني بعيد عن الواقع، شأن متذوق الجمال الذي يحاول أن يحرك الجماهير بيسر، ضمن أُطر نظرة رآها في الكتب.

ذلك أن الأوضح والأصفى هو المناضل المتواضع، الذي يعيش في صميم الشعب، و الذي هو أستاذ نفسه، فلا يفصل الدرس عن العمل، و الثوري بتكونه و كهنته، الذي يستخدم النظرية الملموسة كأداة تحديد لإدراك الوقائع التي لا تخطر على البال.
إن النفور من الزعماء ليس جحوداً من الجماهير المتلونة التي تقتل أبطالها، حارقة ما تعبده، و إنما هو على العكس، نضج روحي، لم يعد الشعب يمجد أحداً كالأصنام، إنه يحيد بحق عن طواحين الكلام، البحارة المجهزين ببوصلة، لكن الذين تنقصهم شجاعة الإقلاع في العاصفة.
ولكي يكون لدى الإنسان الشجاعة لأن يحلم باسترداد حقوقه و انتزاعه لا بد أن يكون مليئا بالتفاؤل الذي لا يتزعزع.
لكن في داخل كل منا برغوث صغير، كان قد وضع فيما مضى في علبة زجاجية مغلقة، وما زال حتى الآن يقفز إلى نفس العلو ظانا أن هذا هو العالم فقط. كلنا تعودنا أن نصل للمسموح فقط، ونخاف أن نقفز أعلى لمجهول لا نعرفه، نخاف أن نطير إلى الفضاء الرحب و نخاف من الحرية لأنه يتبعها المسؤولية.
ولتكون حراً لا بد أن تكسر كل القوالب التي تعودت أن تعيش فيها، والتي أجبروك عليها و تزيح ذلك الكم الهائل من السلبية و عدم الثقة في النفس. عليك أن تكسر كل ما تراه في مجتمعك من ضعف و هوان و ذل و تبعية.
ترى هل جال بخاطرنا يوما أن هناك من دربنا لنقفز و نتحرك ضمن منطقة محددة حتى أصبحنا غير قادرين على مغادرتها؟ بل مرة تلو المرة ندخل في زجاجات أصغر فأصغر –صاغرين-؟
نحن الذين سنحدد اليوم إن كنا سنبقى براغيث تقفز في العلبة الزجاجية أم سنصبح فراشات ذات أثر و لو بعد حين.
سأشارك في الإضراب اليوم، أنا والموظفين في شركتي، مع الصيادلة الأردنيين كجزء من المنتسبين للنقابات المهنية، وسأدفع كل من أعرف ليشارك فيه. و كما يقول بول سارتر: إن كل إنسان عندما يختار أمرا ما كأنه به يضع قاعدة عامة لكل البشرية، و هذا يجعل كل إنسان عند اختياره خيراً ما من أجل البشرية يختار مثالاً و نموذجاً و نمطاً ينبغي أن يعمل جميع الناس على أساسه، إذن كل فرد في كل عمل يقوم به يحس في نفسه بالمسؤولية عن كل البشرية، و من هنا كان كل فرد مرشد لجميع الناس و عليه مسؤولية قيادتهم و إرشادهم.
و أقول لكل المتلكئين : إذا كان العالم لا يعجبكم فغيروه لكي يناسبكم. فكل الناس الأسوياء فعلوا ذلك من قبلكم. و إن العالم يفسح الطريق للمرء الذي يعرف إلى أين هو ذاهب، لا إلى أول طريق سهل يعثر عليه.
و في كل عمل في هذه الحياة توجد قواعد للعبة. وأنت أمام خيارين: الأول أن تنصاع لهذه القوانين وتحافظ عليها، والثاني أن تكون أنت الذي يضع قواعد هذه اللعبة. 
فهل سنستطيع اليوم أن نبدأ في رسم ملامح اللعبة؟

مقالات ذات صلة
اظهر المزيد

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى