إصلاح التعليم العالي / أ .د أنيس خصاونة

إصلاح التعليم العالي

إصلاح التعليم العالي يحتاج إلى قيادات إصلاحية وليس إلى قيادات عرفية
الأستاذ الدكتور أنيس الخصاونة
تشهد عمان اليوم الاثنين انطلاق الاستراتيجية الوطنية لتنمية الموارد البشرية برعاية ملكية تؤشر إلى مدى الأهمية التي توليها القيادة السياسية لموضوع الموارد البشرية التي يشكل التعليم العام والعالي مادة هذا الاستراتيجية التي تم الإعداد لها والتحضير لمادتها ومقترحاتها الإصلاحية منذ ما يقارب العام. وفي الوقت الذي نقدر مقدار الجهود التي بذلت في شتى اللجان الرئيسية والفرعية التي تناولت مختلف محاور التعليم ابتداء من مرحلة ما قبل المدرسة وانتهاء بالتعليم التقني والعالي ، وربط ذلك مع سوق العمل فإننا ينبغي أن نؤشر إلى ثلاث قضايا مهمة يمكن أن تشكل حواضن أو منطلقات إصلاحية إذا ما تم مراعاتها في حين أن إغفالها يمكن أن يبقي الإصلاح في مربعه الأول ، مربع التنظير والخطابات التي نالت من مؤسساتنا التعليمية وأسهمت في تراجعها في العقود الثلاث الماضية:
1- الإصلاح الحقيقي في مؤسسات التعليم وخصوصا التعليم العالي يحتاج إلى موارد مالية سخية والتي بدون توفيرها فإن خطط واستراتيجيات الإصلاح تبقى حبرا على ورق .الاستثمار في التعليم ومؤسساته مكلف جدا ويحتاج إلى دعم مالي مستمر لضمان النوعية والجودة في أداء المواد البشرية ، وابتعاث الهيئات التدريسية إلى جامعات محترمة ، وبناء وإدامة المختبرات والمنشآت ، ودعم البحث العلمي والدراسات العليا. معظم قرارات الإصلاح في التعليم العالي تبقى قرارات بدون أسنان (Teeth-less Decisions) إذا لم يتم تأمين كلفة تنفيذ هذه القرارات. وهنا يبرز السؤال هل الحكومة جادة في تأمين هذا الدعم خصوصا وأن الجامعات لا يمكنها زيادة رسوم الطلبة المقبولين على أسس المنافسة أو الاستثناءات ؟؟ إن إلغاء التعليم الموازي والذي نعتبره أصلا تعليم مناقض للدستور ، يقتضي توفير ما مقداره مائتي مليون دينار سنويا للجامعات الرسمية بدلا من العوائد التي يمكن أن تفقدها هذه الجامعات جراء إلغاء هذه البرامج فهل الحكومة قادرة على توفير هكذا مبالغ في الوقت الذي تبدوا عاجزة عن تعبيد الطرق الرئيسية في المملكة ؟؟ إن البعد المالي يشكل بعدا حيويا للتعليم العالي خصوصا إذا ما أخذنا بعين الاعتبار ما يتطلبه الإصلاح من إعادة نظر برواتب ومكافآت العاملين في الجامعات حيث أن خريجي بعض هذه الجامعات يتقاضون رواتب بعد تخرجهم تزيد على رواتب الأساتذة الذين تتلمذوا على أيديهم .
2- أن التنظير لإصلاح التعليم العالي يختلف تماما عن تنفيذ الإصلاح على أرض الواقع في الجامعات والمعاهد ، وإنني أتساءل هنا هل يمكن أن يتم إصلاح التعليم في الجامعات على يد نفس الذوات والشخوص الذين قادوا الجامعات على مدار العشرين سنة الماضية وأوصلوها لما أوصلوها إليه من تردي وتراجع؟ لا أعتقد بأن هؤلاء يمكنهم أنه يكونوا إصلاحيين لأنهم هم جزء من المشكلة ، وأن تنفيذ الإصلاح يحتاج إلى شخصيات قيادية إصلاحية بامتياز بحيث يمكن لهذه الشخصيات التخلص من النمط التقليدي في إدارة الجامعات والمعاهد ، والولوج في أساليب جديدة وإبداعية سواء في تشخيص المشكلات ، أو النظر للمشكلات القديمة بطرق جديدة ، أو استخدام أساليب مبتكرة في مواجهة التحديات ووضع الحلول للمشكلات التي تواجهها الجامعات الرسمية. وفي هذا الصدد فإن اختيار القيادات الجامعية ينبغي أن يستند إلى أسس تسهم في إفراز شخصيات يمكنها أن تقود الإصلاح بذهنية وأسلوب العلماء وليس بأسلوب بذهنية عرفية وأسلوب البيروقراطيين والسلطويين الذين يستندون في إدارتهم لمؤسساتهم على الإجبار والعقوبات ولجان التحقيق وتكميم الأفواه.
3- تطوير وربط مخرجات التعليم العالي في الأردن بمتطلبات وحاجات سوق العمل ليس فقط في الأردن ولكن في خارج الأردن وخصوصا في دول الخليج العربي وفي المستقبل القريب في ليبيا واليمن. إن إصلاح وتطوير التعليم وتحسين مخرجاته سيشكل بالتأكيد ضغطا هائلا على سوق العمل المحلي والذي هو أصلا يفتقر لعدم المرونة والقدرة على استيعاب مئات الآلاف من الخريجين من الجامعات الأردنية سنويا. ونعتقد بأن الوفرة الهائلة في أعداد الخريجين العاطلين عن العمل تؤشر بشكل لا جدال فيه إلى عدم قدرة الاقتصاد الأردني المتواضع على استيعاب مخرجات التعليم التي تشهد ضغطا كبيرا نتيجة الإقبال الكبير على التعليم الجامعي. إن التخطيط لإصلاح التعليم وتطويره ينبغي أن يوازيه بالضرورة جهود مدروسة ومخطط لها لزيادة حصة المملكة من فرص العمل في المملكة العربية السعودية ودول الخليج العربي. وبغير ذلك فإن إصلاح التعليم العالي وتطويره بدون ربط ذلك بأسواق العمل الخارجية وخصوصا الخليجية لن يغير الأرقام الفلكية في البطالة والبطالة المقنعة في المؤسسات العامة والخاصة.
4- إصلاح التعليم العالي يحتاج لإرادة القيادة السياسية العليا ونحن هنا نسمي الأشياء بمسمياتها لنقول أن الاصلاح يحتاج لإرادة أولي الأمر وفي حاتنا هذه نتحدث عن إرادة جلالة الملك إذ أننا فقدنا الثقة بوعود الحكومات المتعاقبة وخطاباتها المنمقة في الوقت الذي حرمت الجامعات من الرسوم التي كانت تجمعها باسمها على مدار عقدين من الزمن. الحكومات إذا ترك لها الأمر لن تفعل الكثير من أجل الجامعات وأنا أشعر بأن التعليم العالي هو ليس من أولويات هذه الحكومات. نعول على اهتمام الملك بموضوع الموارد البشرية والتعليم بشقية الأساسي والعالي ونعتقد بأن الحكومات تهتم في أي قضية تشعر بأن الملك مهتم فيها ويوليها عنايته فهل تلتقط حكومة الملقي الإشارة من اهتمامات الملك ورعايته لمؤتمر الموارد البشرية غدا؟؟سؤال ستجيب عليه الشهور القادمة لهذه الحكومة إذا ما قدر لها البقاء في السلطة…

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى