معايير سياسية وأمنية في تشكيل مجالس أمناء الجامعات الأردنية الرسمية

معايير سياسية وأمنية في تشكيل مجالس أمناء الجامعات الأردنية الرسمية
الأستاذ الدكتور أنيس الخصاونة

مجالس أمناء الجامعات الرسمية مجالس عليا تجسد أو الأصل أن تجسد مبادئ الحاكمية الرشيدة لمؤسسات كنا نحسبها تشكل عقل الأمة ومكانا لصياغة شخصية جيل كامل ممن سيتولون قيادة وإدارة الوطن . في الدول التي تحترم مفكريها وعلمائها وجامعاتها تولي تشكيل مجالس امناء جامعاتها أهمية خاصة فتعمل على اختيار رؤساء وأعضاء هذه المجالس وفقا لأعلى المعايير المستندة لخصائصهم الشخصية والموضوعية ونظراتهم الاستشرافية للمستقبل وقدراتهم على الإفادة من الأفكار والآراء المتنوعة وصهرها لتصب في رؤى الجامعة ورسالتها لخدمة المجتمع .
تشكيل مجالس امناء الجامعات الرسمية في الأردن يكاد يكون على شكل توزيع مكاسب وبريستيج وحصص أكثر من عملية انتقاء حقيقية لكفاءات وطاقات متوقدة وقادرة على الخدمة الحقيقية والخروج عن المألوف في تناول قضايا الجامعات التي ينبغي أن يتصدرها كيفية النهوض بمخرجاتها في مجال التدريس والبحث العلمي وخدمة المجتمع. اختيار رؤساء وأعضاء مجالس أمناء الجامعات الرسمية عملية تدوير لنفس الأسماء المستهلكة ونقل بعضها من مجلس أمناء إلى آخر وبعض هؤلاء وزراء ورؤساء جامعات سابقين بلغوا من العمر عتيا ويتحركون بصعوبة بالغة .من مؤهلات رؤساء وأعضاء مجالس الأمناء الرضا الأمني والولاء للحكومة والتسبيح بحمدها وحمد وزير التعليم العالي بكرة وعشيا.
لا نعلم لماذا الإصرار على نفس الأسماء والشخوص مع أنهم تم تعيينهم عدة مرات في مجالس أمناء الجامعات ولم يفلحوا في حل المشاكل الكبيرة التي تعاني منها الجامعات فلماذا نجرب المجرب ؟ لم نعد نصدق الحكومة ووزير التعليم العالي عندما يتحدثون عن تطوير التعليم العالي فالتطوير يحتاج الى مطورين ومفكرين وليس الا مداحين وممالئين ومسحجين للحكومة ومنسقين أمنيين مع دائرة المخابرات .
دعينا قبل فترة للمشاركة في ندوة لتطوير التعليم العالي وطلب منا أن نقدم ورقة علمية عن الحاكمية في الجامعات العالمية ومقارنتها بالحاكمية في الجامعات الأردنية. كان معظم المشاركين ممن نعتقد أنهم هم سبب كوارث الجامعات ومشاكلها حيث أنهم أمضوا ثلاث عقود وهم يتنقلون من جامعة الى جامعة ومن رئاسة جامعة الى رئاسة مجلس أمناء أو عضوية مجلس تعليم عالي وكم تساءلت فيما إذا كان هؤلاء الذين تسببوا في تدهور الجامعات وتراجعها يصلحون لإصلاح ما اقترفته إداراتهم وتعسفهم ومزاجيتهم وأنانيتهم وفسادهم من موبقات في جامعاتهم المظلومة؟ إصلاح التعليم العالي يحتاج الى إصلاحيين حقيقيين، ومعاول وأدوات مختلفة ، وتفكير جديد، وأساليب تنسجم مع العصر والمرحلة. أستغرب أنا احد رؤساء مجالس الأمناء والذي سبق وأن خدم رئيسا لجامعة في شرق المملكة كان ديدنه ومبدأه في الإدارة والقيادة الجامعية هو “إدارة الجامعة على طريقة وكيل القوة في الجيش” وكأن الجامعة ثكنة عسكرية وليست معتكف للعلم والعلماء وموئلا لحرية الفكر والتعبير. رئيس آخر لمجلس أمناء وهو أيضا سبق وأن كان رئيسا لجامعة يقوم بإرسال قوائم الطلبة المقبولين في الدراسات العليا الى دائرة المخابرات ليتم الموافقة على بعض الأسماء ورفض أخرى على ضوء سجلاتهم الأمنية!!! ورئيس جامعة آخر في الشمال دخل الجامعة وكانت مديونيتها سبعة ملايين وخرج بعد عامين وتركها بمديونية بلغت اثنان وعشرون مليونا ناهيك هن انشغاله الرئيسي بالسفر والمياومات على مدار العام وإرهاق موازنة الجامعة بكثرة احتفالاته ومآدبه الرسمية المكلفة اليت أنعشت مطاعم المدينة التي توجد بها الجامعة ولكنها أفلست الجامعة!!
مجالس امناء الجامعات في الأردن وكيفية تشكيلها ومعايير اختيارها توحي بما لا يدع مجالا للشك بأن الدولة الأردنية غير جادة في تطوير التعليم العالي. رؤساء الجامعات ورؤساء وأعضاء مجالس الأمناء يتم اختيارهم من قبل ضباط دائرة المخابرات بالتعاون مع وزير التعليم العالي ويتم تكريم الموالين والمصفقين للحكومة ولا مكان للكفاءة والحيوية والقيادة الإبداعية. هم أدوات وبعضهم وكلاء أمنيين يديرهم ربما ضابط برتبة صغيرة في دائرة المخابرات ولذلك لا غرابة أن تستمر جامعاتنا بالتراجع والانهيار ما دامت معايير اختيار القادة الجامعيين تستند لأسس أمنية وسياسية وليس لأسس جامعية وأكاديمية.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى