شعبُ الله المختار / وليد معابرة

شعبُ الله المختار
وليد معابرة

شعبُ الله المختار؛ جملة تعتريها النظرة الاستعلائيّة الممزوجة بأصالة الكِبر الزاخر بمراتب التصنيف المَرَضِي الأزلي والمزمن، استخدمها اليهود بشكلٍ علنيّ؛ فعكِفوا على إيجاد المفارقات الكبيرة بين فئات البشر، من أجل إسقاط التصنيفات على أنفسهم وإطلاق المسميات المندرجة ضمن مصنفات تحتوي بشراً من الدرجة الأولى، وبشراً آخرين من الدرجة العاشرة…

إنَّ تلك المقولة -بنظرتها الاستعلائية- قد استمرت في الانتشار والتفاقم حتى وصل مفهومها إلى معظم المجتمعات الشرقية، ربما بشكلٍ مقصودٍ أو بشكلٍ غير مقصود؛ ولكنَّ المحصلة أنها فَتِأتْ ثقافة بيئية ناقلة تحتضن الحقد وتؤصله بين فئات البشر، لتغرس ثقافة رديئة أعلاها مثمر بالاحتقار الموجه لجميع الأمم، وأسفلها مغدقٌ بتعميم ألفاظ السباب والشتائم؛ مما أسهم في تحوير المفهوم المعروف بحوار الحضارات إلى المفهوم الدموي الجديد المعنون بصراع الحضارات، فضلاً عن النتائج المذهلة والنظرات العربية الجديدة التي تعطيناً حقاً ليس ملكاً لنا، وحكماً متسرعاً على جميع الأمم؛ فأسقطنا مفهوم أننا كنّا خير أمة أخرجت للناس؛ ومنحنا أنفسنا الحق بالتفرد والاستعلائية والحصول على أعلى مراتب الشرف حتى أصبحنا لا نرى أحداً من العالمين.

لا شكّ أن التاريخ البشري في كل الحقب التاريخية الماضية حافلٌ بشواهد دالّة تشير إلى أن الصراع الحضاري واحد من سمات الاتصال البشري المسهم في انتقال المعرفة وتكوين الحضارة؛ ولكنَّ المفهوم الحديث للنسبية الثقافية قد تم بناؤه اعتماداً على دراسات اجتماعية ثقافية مفادها: ((إنه لا يمكن أن يوجد إنسان كامل ضمن ثقافة واحدة))، وهذا بحد ذاته يُعَدُّ منهجاً فكرياً يجب على جميع الحضارات اغتناقه والعمل بمضمونة ليتم بناء حضارة بشرية زاخرة بمفهوم الإنسانية المطلقة…، فمن اطلع على مفهوم النسبية الثقافية؛ سيجده مفهوماً عادلاً يحتوي جميع الفئات البشرية ويرتقي بها نحو عالمٍ مضيء مليء بالإنجاز ونشر المعرفة وتجاوز الأزمات…، وبهذا الصدد قد عرج بعض الفقهاء والأدباء مثل الجاحظ وقوله في رسالة إلى النصارى: “إن الفضائلَ والمثالبَ موزعةٌ بين الأقوامِ والأمم”، وكما في قول أخوان الصفا وخلان الوفا في تعريفهم لتلك النسبية: إنه إذا كان الإنسان فارسي النسب، عربي الدين، حنفي المذهب، عراقي الآداب، هندي البصيرة، يهودي المخبر، مسيحي المنهج، شامي النسك، ملكي الأخلاق، رباني الرأي”؛ فإن مفهوم النسبية الثقافية تتجسد فيه ليكون إنساناَ ذا كمالٍ واتزان، وهذا تأكيد آخر على أن الإنسان الكامل يستحيل عليه التواجد ضمن ثقافة واحدة.

مقالات ذات صلة

تبقى تلك الآراء مجرد آراء فردية لا يجوز لي تعميمها أو تخصيصها، فمجرد التعميم أو التخصيص في تلك المسائل سيكون ناتجاً عن أنانية في إسقاط رأي وإهمال رأي آخر؛ ولكنَّ المعنى العميق المرجو إيصاله؛ هو أن الإنسان مخلوقٌ مرن يخطئ ويصيب ويجتهد ويكسل، وهذا ما دفعني إلى كتابة المقال واختيار ذلك العنوان، خاصة بعد أن عاث الفساد وعظمت سيطرته وباتت الأنانية تهيمن على كل فئة من فئات المجتماعات التي تختلف في الرأي، بل تجاوز الأمر أنها أصبحت تُصدر جانباً ألوهيّاً مختزناً في نفوس معظم البشر أدى إلى إعادة تصنيف الناس، فقامت كل فئة بشرية تحكم على أختها بحكم لا يجوز إطلاقه إلا من خالق البشر نفسه.

أريد أن أقول بعد أن صار الكلام وليس الصمت من ذهب: إن الإقليمية المتواجدة بين رجل الشمال ورجل الجنوب، وتفضيل كل واحد منهم نفسه على الآخر؛ لهي دليل واضح على أننا ما زلنا أمة تدعي أنها من شعب الله المختار…
وإنَّ العنصرية المتوافرة في نفوس معظم أفراد أبناء العشائر الذين يتفاخرون بالأصول والمنابت وينعتون غيرهم بعدم الأصالة والانتماء؛ لهي دليل آخر على أنها نفوس مريضة نفسياً تقع ضمن تصنيف شعب الله المختار…
وأن استعلائية الرجل الأبيض على الرجل الأسود، وإنكار وجوده وتحقيره؛ لهي دليل عميق يشير إلى أن ذوي تلك الاستعلائية يصنفون أنفسهم بأنهم شعب الله المختار…
وأن العنصرية الزائفة بين الدول العربية والإسلامية؛ وقدح كل واحدة منها الآخرى؛ لهي دليل واسع ينشر ثقافة الأمة التي تنادي نفسها بشعب الله المختار…

أخيراً لن أغفل عن الفِرَق الدينية التي تطلق أحكامها التعسفية وتأتي بالدلائل التي تصنف جميع الفِرَق وتدخلهم النار، وتحكم لنفسها بصفاء النية وحسن الاتباع ونيل الجنة؛ على أنّه دليلٌ واضحٌ على القصور الذهني وممارسة اللاوعي في تطبيق أصول النظرة الاستعلائية الممزوجة بأصالة الكِبرِ وتعميم المفهوم القديم الذي تداوله اليهود حين ادّعوا بأنهم: “شعب الله المختار”.
#الكاتب_وليد_معابرة

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى