إبتسامة بالدموع

#إبتسامة_بالدموع

م. #أنس_معابرة

في كتابها الرائع “لتر من الدموع”، تذكر الراحلة اليابانية “آيا كيوتو” أدق التفاصيل عن المراحل التي مرت بها خلال رحلتها مع مرض ضمور المخيخ والنخاع الشوكي المستعصي على جميع أنواع العلاجات، والذي أودى بحياتها في عام 1988 وهي بعمر الخامسة والعشرين.

وعلى الرغم من كمية المعاناة التي ستدركها خلال قراءتك للكتاب، وتدرك حقاً أن الفتاة قد كتبت تلك الكلمات بدموعها، وأنها احتاجت الى لتر كامل من الدموع من أجل إيصال تلك الكلمات إلينا؛ إلا أنني سأتطرق الى جملة رائعة جداً، وردت على لسان “آيا الصغيرة” كما تحب والدتها أن تناديها دائماً.

مقالات ذات صلة

تقول “آيا”: “لقد دُهشت من حقيقة أن مشاعر المرء تجاه شيء لا يتكلم، تختلف بإختلاف الشخص أو مزاجه في ذلك الوقت”.

لتوضيح ذلك أقول: إن زيارة لحديقة الحيوان كفيلة بإدخال السعادة الى قلب أيّ طفل، مهما كان وضعه، وأكاد أجزم بأنه من المستحيل أن يرفض طفل تلك الزيارة المبهجة للقلوب. ولكن في وضع “آيا” الصحي المتأزم، وعدم قدرتها على المشي والحركة بشكل طبيعي كغيرها من الأطفال، تقول حين زارت حديقة الحيوان: “أنا لا أحب حديقة الحيوان، الغوريلا وجهها حزين للغاية، وهي تفقد أعصابها بكل سهولة، وقرد الشمبانزي غاضب ويقذف الزوار بالحجارة، والبجع حزين ولا يستطيع إصطياد سمكة، وتبدو النعامة مريضة جداً”.

لاحظ أن حالة “آيا” الصحية المتأزمة قد إنعكست على كيفية رؤيتها للحيوانات في الحديقة، فالحيوانات كما تراها حزينة ومريضة، وهو ذات الشعور الذي تشعر به “آيا”.

وكذلك حين تنظر أنت الى السماء في يوم غائم، فلو كنتَ حزيناً سترى الغيوم وكأنها دموع تتساقط من عيون السماء، أما إذا كنتَ سعيداً؛ فسترى بكل وضوح تلك الغيوم وهي تتجمع لتشكل وجهاً ضاحكاً ينظر اليك.

ينطبق الأمر علينا تماماً في مناحٍ مختلفة من حياتنا، فلو إفترضتَ أن السيارة التي بجانبك تسعى لسبقك فإنك تسرع في القيادة، وتجد وتجتهد لتجاوزها، ولكن الحقيقة أن سائق تلك السيارة لا يدري عنك، ولم يكن يتسابق معك إطلاقاً، وإنما هو ما شعرت أنت به، وعكسته على ما حولك.

إذا كنتَ سعيداً سترى فصل الصيف بأنه فصل السهر والحب، والشتاء بأنه فصل الغيث المنهمر من السماء، وفصل الليل الطويل والشاي الساخن، والخريف بأنه فصل ألوان الأوراق المتساقطة، والربيع بأنه فصل العطاء الأخضر، والأجواء الرائعة.

أما إذا كنت حزيناً، فسيكون الصيف فصل الحر والأذى والليل القصير وإنعدام الراحة، والشتاء بأنه فصل العلل والأمراض والجلوس في المنزل، والخريف بأنه وقت إنتهاء مدة الأوراق وسقوطها بعد أن تخلت عنها أمها، والربيع بأنه فصل التقلبات الجوية، والأمراض المختلفة.

إن الإبداع يكمن في أن نرسم البهجة بداخلنا، وأن نحاول أن ننظر الى نصف الكأس الممتلئ، فمهما أصابنا من نكبات، أو ما اعترض طريقنا من عثرات، لا بد وأن تحمل في طياتها خيراً لنا، ولكننا نجهله في الوقت الحالي.

وبصراحة لا تعبيراً عما أبغي إيصاله أكثر من قول النبي الكريم عليه الصلاة والسلام: “عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله خير، وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن؛ إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له”.

الدنيا لا تُسلم نفسها لأحد، ولا تمنح السعادة الكاملة لشخص، فالحياة في هذه الدنيا خليط من الأفراح والأتراح، الابتسامات والأحزان، وإذا أردت أن تصف حياة شخص ما بإختصار؛ فيمكنك القول بأنها “إبتسامة بالدموع”، فهي ضحكات في أوقات الأفراح، ثم دموع منهمرة في حالات الأتراح والمصائب، ثم تعود الضحكات، ثم تمسحها العَبَرات، وهكذا دواليك، الى أن يقضي الله أمراً كان مفعولاً.

إن الرضا بالقدر خيره وشره من أكثر الأمور التي تتيح للإنسان البهجة الداخلية، على الرغم من الظروف التي تحيط به، وبالتالي تمكنه من رؤية الجانب المشرق للحياة، وتقضي على الشعور بالتشاؤم والحزن والغضب لأي طارئ.

وكذلك ضرورة الإيمان بأن الشعور بالسخط والغضب والحزن تجاه موضوع ما؛ لا يمكن أن يقلل من حجم الخسارة، بل على العكس؛ ومن الممكن أن يضاعفها، وأستشهد هنا بتعليق للطبيبة التي كانت تُشرف على “آيا كيوتو” حين قالت لها: “لن يعود شيء، حتى لو حزنتِ عليه، ركزي فقط على ما تبقى أكثر مما فقدتيه”.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى