أنقذوا الجامعة الاردنية / محمد الطريمات

أنقذوا الجامعة الاردنية

“الطالب أهمُّ ما في هذه الجامعة، وكلمته هي المسموعة”، هكذا حدّثنا الأستاذ خالد الكركي في حفل استقبال الطلبة الجدد عامَ ألفين وثمانية، لكنَّ الرئيس الحالي للجامعة الدكتور اخليف الطراونة في حديثه الإذاعي يُضيفُ شرطاً آخر وهو أن لا يكون الطالب مدفوعاً بأي توجه سياسي! وأترك لكم يا سادة تخيُّلَ ما يحصل الآن داخلَ أسوار الجامعات الأردنية، وكيفَ يتم التعامل مع طلبتها بعقلية الثمانينيات – الفترة التي كان العمل الحزبي فيها محرَّماً هنا في الأردن- وأودُّ التأكيد للأستاذ اخليف الطراونة بأنَّه قد انقضت خمسٌ وعشرون سنة على السَّماحِ للأحزاب بممارسة نشاطاتها، وإيقاف قانوان الطواريء! وأنَّ مرجعية الدُّكتور الدستورية كما يبدو بحاجة للتحديث مع المُعطيات الحالية، وما كانَ يَصلحُ لزمانه قد تغيَّر، هل سأل الدكتور اخليف المتظاهرين عن مرجعياتهم؟ مُحدِّثُكَم الآن يا جماعة هو أحدُ المُشاركين العامَ الفائت في فعاليات مناهضة هذا القرار قبل التَّخرُّج، وهو مُستقلٌ تماماً كما كانَ مُستقلاً دائماً، ويودُّ أن يُحَدِّثكم حديثاً اقتصاديَّاً.
هكذا وفجأة ً اكتشفت الجامعة الأردنية أنَّ الطالب لديها لا يدفعُ نصفَ التكاليف المطلوبة، سُبحانَ الله! فعمدتْ إلى مُضاعفة سعر ساعات الدِّراسة العليا مئة ً بالمائة! والقرارُ الذي وصفه الدكتور اخليف الطراونة انه لن يشملَ غالبية الطلاب آنذاك، أصبح الآن شاملاً لجميع المُسجلين في الدِّراسات العليا، ليس هذا فحسب، بل اتَّسعَ أيضاً في هذا العامِ ليضُمَّ جميعَ المُسجلين في برنامج الموازي، وهكذا فقد تم سحب البساط من تحت جميع طلبة الدِّراسات العليا وحوالي نصف طلبة البكالوريوس تحت هذه التبريرات اللطيفة الخادعة، حيثُ لم يتبقَّ إلا قليل ممن لم يشملهم هذا الرفع العظيم، والظَّاهرُ انه سيشملهم بعدَ قليل، لتتحول الجامعة بعدَ خمسين عاماً من العطاء إلى مؤسسة ربحية في غضون عامين من القرارات الفجة وغير الآبهة بالطُّلاب ولا بالحالة الاقتصادية للأردنيين والمُعروفة من القاصي والدَّاني إلا مَن تكبَّر.
ولكن ماذا كانَ وراء هذا القرار؟ وهل فعلاً زادت مداخيلُ الجامعة من هذه الزِّيادات الجنونية في أسعار السَّاعات، الحقيقة الي سأصدم بها الكثير الآن هي : لا، الجامعة خسرتْ بفضل قرار مُضاعفة سعر ساعات الدِّراسات العليا، وستخسر أيضاً إذا ما تمَّ تبنِّي قرار زيادة سعرالبرنامج المُوازي، يُخبِرُنا علم الاقتصاد بأنَّ الإيراد هو معادلة تتكون من طرفين وليس من طرف واحد، السعرُ – الذي تَرتكز عليه مثلُ هذه القرارات والكمية المطلوبة التي يستثنيها مثلُ هذا القرار من الحُسبان، ويُخبِرُنا عِلمُ الاقتصادِ أيضاً بوجود علاقة عكسية بين طرفي المعادلة هذه، فبزيادة السِّعر تقلُّ الكمية المطلوبة، وبتخفيضِ السِّعر تزيدُ الكمية المَطلوبة، معنى هذا أن قرار التَّسعير سيؤثر سلباً أو إيجاباً في الإيرادِ الكُلي من خلال زيادة الكمية المطلوبة أو نقصانها، ويوضِّحُ علم الاقتصاد بأن الزائد للسعر يجب أن يتوقف إلى الحد الذي لا تُصبحُ فيه للكمية المطلوبة أثرٌ سلبي في الإيراد الكلي، وهو ما لم يحصل في حالة الجامعة الأردنية، مثال بسيط: بفضل القرار العظيم قلَّ عدد طلبة الِّراسات العليا في قسم الجغرافيا في الجامعة الأردنية من ثلاثين طالباً قبل القرار إلى سبعة طلبة بعده، أي أن مُضاعفة السعر على الطلبة السبعة لن يعوض شيئا، وسيكونون اقتصاديَّاً بمثابة أربعة عشر طالباً قبل القرار، أن الجامعة فوَّتت نصفَ الإيراد الكلي في هذه السنة مُقارنة بالسَّنةِ الفائتة، وهكذا يصدق الأمرُ في الأقسام الأخرى كما تأكَّدتُ مِن ذلك عبرَ أصدقاءٍ لي فيها، وهذا ما يُسمَّى بتكلفة تفويت انتهاز الفرصة، وهو أوَّلُ وأهمُّ مباديء الاقتصاد، أي أنَّ الجامعة الآن تعملُ بخلاف ألفبائيات الاقصاد دون حسيبٍ أو رقيب، أو مع حسيب متواطيء والله أعلم، وعلمُ الاقتصادُ لم يفوِّت على النَّاس نصيحة، فقال بوجوب الزِّيادة الطفيفة المُتدرِّجة، كما تستطيعونَ مُطالعته في فصل المُرونة، ولكنَّ أصحاب القرار في الجامعة يرفعون الرَّسوم بدلاً من ذلك بنسبة مئة بالمائة وعلى الغالبية الكاسحة من الطلبة وفي غضون فترةٍ قياسيَّة! وهكذا فقد رأيتُ بعيني كثيراً من أصدقائي الطَّلبة يذهبونَ إلى جامعات حكوميَّة أخرى، أو يُسَجِّلون في دورات تدريبية متخصصة بديلاً عن الدِّراسة، فخسرت الجامعة هؤلاء الطَّلبة بتحوِّلهم إلى سلع بديلة أو منافسة، وضيَّعت الجامعة من جديد فرصة كانَ من الممكن أن تنتهزها لو كانت قراراتُها غير هذه القرارات، ولم أجد للآن رجلاً واحِداً مِن أهل العلم في كلية الاقتصاد تمتَّع بجرأة أكاديمية ليواجه أحدهم بهذه المباديء وهذه الحقائق الي تعلمناها منهم، ليس هُناك إلا الطلبة الشرفاء والنائمون في ساحات الجامعة لأيَّام، اعتراضاً على هذه القرار وإيماناً بالحق والحقيقة.
لماذا أخذت الجامعة الأردنية هذا القرارَ إذن؟ أمامَ سياسات وزير التربية والتعليم الدكتور محمد الذنيبات القاسية والتي أفرزت أعداداً أقلَّ من خريجي الثانوية، وأمام قرار الجامعة بفتح فرعٍ لها في العقبة تكبَّدَ ما تكبَّدَ من خسائر، وجدت الجامعة الأردنية نفسَها في ورطة من قرارها غير المَدروس، ومِن قلةِ تخطيطها المُستقبلي، ولجأت مثل الحكومة الأردنية إلى جيب المواطن كحلٍّ سريع ومُريح، واتخذت هذا القرار العشوائي مستغلة هروب الأساتذة الجامعيين من ظروفهم السيئة إلى دول أخرى قريبة وبعيدة، فرشَّدَت نفقاتها بالاعتماد على الكادرِ القليل المُتبقِّي ، وإغلاق البرامج والتَّخصصات غيرِ المُجدية! وعَمَدَت إلى زيادة أرباحها من الوحدة الواحدة وهي طالبِ الدِّراسات العُليا، ولكن كما أسلفت، تبيَّنَ أنَّ ما يُعتقدُ ربحاً من الوحدة الواحدة ليس ربحاً بالمُطلق، ومع فشَلِ هذا القرار اتخذت الجامعة قراراً آخر بزيادة الربح من وحدة واحدة أخرى هي طالب الموازي لِعويضِ الفَشلِ الأول، ولكنَّه كما أسلفت قرارٌ كالقرار السَّابق عشوائي ومتخبط غير مَدروس، ولن يُعوِّضَ شيئاً مما خسرته الجامعة، أنقذوا الجامعة من ظلم القرارات وزورِ المؤيِّدين وعنجهية صاحِبِ القرار، أنقذوا الجامعة الأردنية الآن.
(محمد الطريمات – كاتب من الأردن)

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى