ألم يروا إلى الطير مسخرات في جو السماء

ألم يروا إلى الطير مسخرات في جو السماء
الدكتور منصور أبوشريعة العبادي \ جامعة العلوم والتكنولوجيا الأردنية
لم يترك القرآن الكريم ظاهرة من ظواهر هذا الكون إلا ودعى البشر للنظر إليها والتفكر في خلقها علهم يوقنون بأنه لا بد وأنها قد خلقت من قبل عليم خبير سبحانه وتعالى. فلا تكاد تخلو سورة من سور القرآن الكريم من آية أو أكثر تلفت أنظار البشر إلى إحدى هذه الظواهر سواء بالدعوة المباشر للتفكر بها أو من خلال القسم بها أو بغير ذلك من الأساليب. فعلى سبيل المثال قال تعالى “إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (164)” البقرة وقال سبحانه ” إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ (190) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (191)” آل عمران وقال عز من قائل ” إِنَّ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ (3) وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِنْ دَابَّةٍ آيَاتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (4) وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ رِزْقٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ آيَاتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (5) تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ (6)” الجاثية.
ومن الظواهر العجيبة التي لفت القرآن الكريم البشر للتفكر بها ظاهرة طيران الطيور في جو السماء كما جاء في قوله تعالى ” أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمَنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ (19)” الملك وقوله سبحانه ” أَلَمْ يَـرَوْا إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّرَاتٍ فِي جَوِّ السَّمَاءِ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا اللَّهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (79)” النحل . إن أكثر الكائنات الحية مشاهدة من قبل البشر هي الطيور والحشرات وذلك بسبب كثرتها وبسبب وجودها أثناء طيرانها في مجال رؤية البشر المباشرة. وعلى الرغم من المشاهدة المتكررة للطيور والحشرات وهي تطير في الهواء إلا أن قليلا من البشر من قد يلتفت إلى هذه الظاهرة ويبحث عن أسرارها. إن دعوة القرآن الكريم البشر للتفكر في ظاهرة الطيران تدل على أن هذا القرآن منزل من عليم خبير يعلم أن في هذه الظاهرة من عجائب التصميم والتصنيع ما يقنع البشر بأن هذا لا يمكن أن يتم إلا من قبل صانع عليم ولا يمكن أن يتم بالصدفة. ومع تمكن البشر في هذا العصر من معرفة آليات وشروط الطيرآن وتصنيعهم لمختلف أنواع الطائرات فإنه حري بهم أن تزداد قناعتهم باستحالة أن تكون هذه الكائنات الحية الطائرة قد صنعت بالصدفة.

أن يتحول تراب الأرض إلى كائنات حية تمشي فوق بر الأرض على بطنها أو على رجلين أو على أربع أو على أكثر من ذلك فهذا لا بد وأن يكون شيء عجيب وصدق الله العظيم القائل “وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (45) ” النور. وأعجب من هذا أن يتحول تراب الأرض إلى كائنات حية تسبح في الماء ولا ترسب إلى قعره رغم أن كثافة أجسامها أعلى من كثافة الماء الذي تعيش فيه. أما الأعجب من كل ذلك أن يتحول تراب الأرض إلى كائنات حية تطير في الهواء رغم أن كثافة أجسامها أكبر بكثير من كتافة الهواء الذي تطير فيه. إن تصميم كائنات حية يمكنها الطيران في الهواء بأقل قوة وطاقة ممكنه عملية غاية في التعقيد كما يعرف ذلك من يعمل في مجال تصميم وتصنيع الطائرات. ولقد حاول البشر على مر العصور محاكاة الطيور في طيرانها من خلال وضع أجنحة كبيرة من ريش الطيور على أيديهم ولكن جميع محاولاتهم باءت بالفشل لأسباب سنبينها فيما بعد.

لقد أدى اختراع المحركات الميكانيكية في نهاية القرن التاسع عشر إلى تجديد أمل البشر في إمكانية تصنيع أجسام أثقل من الهواء يمكنها الطيران في الهواء. لقد قام كثير من المهتمين في ظاهرة الطيران في كل من أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية بمحاولات كثيرة لتصنيع بمحركات ميكانيكية إلا أنها معظمها باءت بالفشل . وفي نهاية عام 1903م تمكن الأخوان رايت في الولايات المتحدة الأمريكية من تصنيع أول طائرة بهيكل مصنع من الخشب وبمحرك ميكانيكي لا تتجاوز قوته 12 حصان وقام أحدهما بقيادتها وتطيرها في الهواء لعدة ثواني مؤذنة بذلك ظهور عصر الطيران الصناعي. لم تكن المشكلة الوحيدة التي واجهت الأخوين رايت هي تطيير الطائرة في الهواء بل بالتحكم في توجيه الطائرة في الإقلاع والهبوط والانحراف إلى اليمين والشمال وقد تمكنا من حل هذه المشاكل من خلال اختراع نظام التحكم ذي الثلاث محاور (three-axis control) والذي لا زال يستخدم في جميع الطائرات. فنظام التحكم هذا يمكنه تدوير جسم الطائرة حول الإحداثيات أو المحاور الثلاث فتدوير الطائرة حول المحور الرأسي (vertical axis) يسمى العطف (yaw) ويوجه الطائرة يمنة أو يسرة ويتم من خلال تحريك دفة عامودية على ذيل الطائرة من خلالها تحريكها يسرة أو يمنة. وأما تدويرها حول المحور الأفقي العرضي (lateral axis) الواصل بين الجناحيين يسمى الميل (pitch) ويوجه الطائرة صعودا أو هبوطا من خلال تحريك دفة أفقية على ذيل الطائرة يتم تحريكها إلى الأسفل أو الأعلى. وأما تدويرها حول المحور الأفقي الطولي (longitudinal axis) الواصل بين رأس وذيل الطائرة يسمى اللف (roll) ويتم من خلال تحريك دفتين أفقيتين على الجانب الخلفي لجناحي الطائرة من خلال تحريكهما بشكل متعاكس إلى الأسفل أو الأعلى. إن طائرة الأخوين رايت هي من نوع الأجنحة الثابتة (fixed wings) وليس من نوع الأجنحة المتحركة المستخدمة في الطيور والحشرات ولذلك يتطلب إقلاعها وجود مدرج طويل بينما تطير الطيور من أماكنها.

إن تطيير الطائرات في الهواء وبشكل متزن يتطلب تحقيق شروط كثيرة يكفي غياب شرط واحد منها إفشال عملية الطيران. فالشرط الأول هو أن يقع مركز ثقل (center of gravity) الطائرة عند نقطة تقاطع الخط الواصل بين الجناحين مع الخط الواصل بين الرأس والذيل وهذا ضروري لتبقي الطائرة بشكل مستوي وهي معلقة في الفضاء ولكي يسهل تدويرها حول المحاور الثلاث الآنفة الذكر. أما الشرط الثاني فهو توفير القوة الكافية لرفع الطائرة في الهواء بحيث تزيد قوة الرفع عن وزن الطائرة وهو حاصل ضرب كتلتها في التسارع الأرضي. ولتقليل قوة محركات الطائرة وكمية الطاقة المستهلكة يقوم مصممي الطائرات بتقليل كتلة الطائرة إلى أقل ما يمكن مع الحفاظ على الحجم المطلوب وذلك من خلال استخدام أقل المواد كثافة وأكثرها متانة. في الطائرات ثابتة الجناح تتناسب قوة الرفع طرديا مع مساحة الأجنحة ومربع سرعة الطائرة وأما ثابت التناسب فيعتمد على عدة عوامل كان سوء اختيارها سببا في فشل كثير من محاولات الطيران. أما العامل الأول فهو ما يسمى نسبة الواجهة (aspect ratio) وهو نسبة طول الجناح إلى عرضه وذلك لمساحة محددة فكلما زادت هذه النسبة زاد ثابت التناسب وبالتالي زادت قوة الرفع. أما العامل الثاني وفيه يكمن سر الطيران فهو أن جناح الطائرة يجب أن يكون مسطحا أو مقعرا من الأسفل ومحدبا من الأعلى لينتج ما يسمى الصفيحة الهوائية (airfoil) وهو الشكل العام الذي عليه أجنحة الطيور. فعندما يمر تيار هوائي على مثل هذه الأجنحة فإن جزء التيار المار فوق الجناح تزداد سرعته ويقل ضغطه عن تلك التي للجزء السفلي. إن فرق الضغط بين أعلى الجناح وأسفله يولد قوة رفع إلى الأعلى وتتكون هذه القوة من مركبتين أحدهما عامودية على اتجاه الريح تسمى قوة الرفع (lift force) والأخرى مع اتجاه الريح وتسنى قوة الإعاقة أو السحب (drag force). وغالبا ما يتم توجيه الجناح بزاوية معيتة تسمى زاوية الهجوم (angle of attack) وذلك لزيادة مركبة الرفع وتقليل مركبة السحب.

لقد ظهرت أول الحشرات الطائرة قبل ما يفرب من ثلاثمائة مليون سنة وأول الطيور قبل مائة وخمسين مليون سنة. وكما تبين من الشرح السابق حول الشروط اللازمة للطيران فإنه من المستحيل أن تتطورأجسام الكائنات الحية بالصدفة لكي تتمكن من الطيران في الهواء خاصة في غياب حاجة الكائنات للطيران وهي تعيش بسلام في البر والبحر. وسيتبين من الشرح التالي حول تصميم أجسام الطيور لكي تتمكن من الطيران بأن من قام بتصميمها مبدع لا حدود لإبداعه سبحانه وتعالى لأنه لم يترك جزئية من الجزيئات المتعلقة بمكونات جسم الطائر إلا وأخذها في الاعتبار عند التصميم. وبسبب محدودية كمية الطاقة اللازمة لطيران الطائر والمخزنة كطاقة كيميائية في جسمه لزم إحداث تغيرات جذرية في أجهزة الطائر المختلفة وذلك لتقليل الكثافة النوعية لجسم الطائر. فالكثافة النوعية لكائنات البر والبحر تساوى كثافة الماء تقريبا بينما تم تقليلها في الطيور إلى سبعين في المائة من كثافة الماء.

إن أهم ما يميز الطيور هو وجود الريش الذي يغطي كامل جسم الطائر ومنه تم تصنيع الجناحين والذيل وهما آلتي الطيران الرئيسية. ولقد تم تركيب جناحي الطائر على الأطراف الأمامية أو الأيدي بعد إجراء بعض التحويرات عليهما كوجود زوائد جلدية رقيقة بين العضد والساعد وما بين الساعد والأصابع تم غرس الريش عليها. وقدم تم تصنيع الريش من مادة الكرايتين المرنة والمتينة والخفيفة وتتكون الريشة من قصبة رئيسية مجوفة في أولها وتتفرع من جانبيها عدد كبير من القصبات الفرعية وتتفرع من جانبي هذه القصبات الفرعية عدد كبير من الخيوط الدقيقة الشبيهة بالشعر. ويتميز الريش الموجود على الأجنحة والذيل عن بقية الريش الموجود على بقية جسم الطائر بوجود خطاطيف على الخيوط الدقيقة تعمل على تماسك هذه الخيوط ببعضها لتمنع مرور الهواء من بينها. ويوجد أشكال مختلفة من الريش فريش الجناحين غير متماثل فجانب الريشة المواجه للريح قصباته أقصر من الناحية الأخرى لكي لا ينثني مع ضغط الهواء بينما ريش الذيل متماثل الشكل. ويعمل الريش الداخلي الناعم على عزل جسم الطائر بشكل ممتاز عن برودة الجو المتدنية خاصة أثناء الطيران على ارتفاعات عالية في الجو.

أما التحوير الثاني فهو المتعلق بالهيكل العظمي حيث تم تقليص نسبة وزن هذا الجهاز لبقية وزن الجسم بشكل كبير مقارنة بالكائنات البرية وذلك من خلال عدة إجراءات أهمها استخدام عظام مجوفة ومتينة يملأ بعضها بالهواء المتصل بالجهاز التنفسي. وأما التحوير الثالث فيتعلق بالجهاز التنفسي حيث تم تصنيع الرئة على شكل أنابيب مرتبطة بعدد كبير من الجيوب الهوائية الموزعة على أنحاء جسم الطائر وذلك لتقليل الكثافة النوعية للجسم. وأما التحوير الرابع فيتعلق بالجهاز التناسلي للأنثي حيث يوجد لها مبيض واحد ولا يوجد لها رحم وبذلك يتم التكاثر بالبيوض وليس الحمل والذي من المؤكد أنه سيعيق عملية الطيران. وأما التحوير الخامس فيتعلق بالجهاز البولي حيث لا يوجد مثانة للطائر ويتم إخراج البول مع الغائط فور تكونه. وأما التحوير السادس فيتعلق بالجهاز الهضمي حيث تم التخلص من الأسنان لتخفيف الوزن وتم وضع حوصلة تعمل كخزان للطعام الذي يمد الطائر بالطاقة أثناء الطيران وقانصة لطحن الطعام. وأما التحوير السابع فيتعلق بالجهاز الدوري حيث تم تصميم القلب ليتحمل معدلات نبض عالية أثناء الطيران والتي قد تصل إلى ألف نبضة بالدقيقة. وأما التحوير الثامن فيتعلق بالجهاز العضلي حيث تم وضع عضلات قوية ومرنة في الأجنحة قادرة على تحريكها لفترات زمنية طويلة وبمعدلات تصفيق عالية. وأما التحوير التاسع فيتعلق بالجهاز العصبي حيث تم تصميمه ليتماشى مع القدرات العالية للطيور في مناوراتها السريعة والمتتالية أثناء الطيران دون الاصطدام بالأشياء المحيطة. وأما التحوير العاشر فيتعلق بالشكل الخارجي لجسم الطائر والذي يجب أن يكون انسيابيا وأملسا وهذا ما تم تحقيقة باستخدام الريش.

على العكس من الطائرات التي تستخدم الأجنحة الثابتة والمدرجات لطيرانها فإن الطيور تستخدم الأجنحة المتحركة لتطير من أماكنها بلا مدرجات. وتتم عملية الطيران من خلال رفرفة أو تصفيق الأجنحة بشكل عمودي فعند دفع الأجنحة إلى الأسفل فإنها تضغط الهواء إلى الأسفل ويكون رد الفعل ارتفاع جسم الطائر إلى الأعلى وربما إلى الأمام إذا ما تم إمالة الجناح بزاوية معينة. وعند رفع الأجنحة إلى الأعلى يتم إمالتها بشكل كبير وكذلك السماح للهواء للنفاذ من بين الريش لكي لا تنتج قوة عكسية تعيد الطائر إلى الأسفل. إن معدل رفرفة الأجنحة تعتمد على مساحتها ووزن الطائر فالطيور الصغيرة ذات الأجنحة القصيرة كالعصافير ترفرف بمعدلات عالية مقارنة بالطيور الكبيرة ذات الأجنحة الطويلة كالنسور والصقور. إن الإبداع في خلق الطيور هو التنوع الهائل في أحجام وأشكال أجسامها وأشكال وأبعاد أجنحتها وألوانها وأشكال وأحجام بيضها وطرق طيرانها حيث يوجد على الأرض ما يقرب من تسعة آلاف نوع من الطيور قلما تجد نوعا يشبه الآخر.

وإلى جانب قدرة الطيور على الإقلاع من أماكنها فإنها لها قدرة كبيرة جدا على المناورة أثناء طيرانها وهذا ما لا تمتلكه الطائرات ثابتة الأجنحة. فالطيور لها القدرة على تغيير مقدار سرعتها إلى أي درجة بحيث يمكنها الوقوف معلقة بالجو وقدرتها على تغيير اتجاه طيرانها بشكل حاد دون أن تفقد اتزانها وقدرتها على الطيران داخل الأشجار والغابات دون أن تصطدم بها. وللطيور القدرة على الطيران في مجموعات كبيرة وبشكل متقارب محافظة على شكل التوزع بشكل دقيق حتى حين تغيير اتجاه سير المجموعة. ومن مهارات الطيور قدرتها على ركوب الرياح والطيران على التيارات الهوائية دون تحريك أجنحتها كثيرا موفرة بذلك طاقتها وخاصة في مواسم الهجرة. ويعود السبب في هذه المهارات الطيرانية إلى قدرة الطيور في التحكم في كل جناح من جناحيها بشكل مستقل عن الآخر وقدرتها على تغيير شكل ومساحة الجناح ودرجة ميلانه وكذلك هو الحال مع الذيل.

إن جميع التحويرات التي أجريت على جسم الطائر لتمكينه من الطيران لا تكاد تذكر في تعقيدها مع البرامج المخزنة في دماغ الطائر والمسؤولة عن التحكم في جميع عضلات الطائر المرتبطة بالجناحين والذيل. إن عمليات التحكم التي يجريها الطيار أثناء قيادته للطائرة لا تكاد تذكر مع العمليات التي يجريها دماغ الطائر للتحكم في المناورات المختلفة والمعقدة أثناء طيرانه. ومن المعلوم أن الكائنات الحية بما فيها الإنسان عندما تمشي أو تسبح أو تطير لا تقوم بتحديد العضلات التي ستستخدمها ولا درجة شد كل عضلة من هذه العضلات بل كل ما تحتاجه هو مجرد العزم على إجراء الحركة المطلوبة ومن ثم تتولى البرامج المسؤولة عن هذه الحركة في الدماع بإرسال سلسلة من النبضات من خلال الأعصاب المرتبطة بالعضلات التي ستقوم بهذه الحركة وبتزامن منقطع النظير بين تسلسل هذه النبضات. فعلى سبيل المثال عندما يقوم الطائر بالانعطاف بشكل مفاجئ عن شجرة يلزم تحديد وضعية كل جناح ووضعية الذيل لاتمام الحركة وهذا يتطلب تحديد العضلات المسؤولة عن ذلك ومن ثم إطلاق سلسلة النبضات لجميع هذه العضلات بشكل متوازي ومتزامن ويجب أن يتم ذلك في زمن بالغ القصر لكي لا يصطدم بهذه الشجرة. إن هذه العمليات المعقدة والسريعة لا يحددها الطائر نفسه بل تتم بشكل تلقائي فالصورة التي تلتقطها عيون الطائر للشجرة عند اقترابه منها تذهب لمراكز التحكم ليحدد الإجراء المطلوب ومن ثم يقوم بإرسال أوامر التحكم لعضلات الطائر لإتمام الحركة المطلوبة. إن من يعمل في تطوير الروبوتات المختلفة وخاصة الطائرة منها يدرك حجم الجهد المبذول في كتابة برامج التحكم لمثل هذه الأجهزة التي تعتبر حركاتها بدائية مع الحركات التي تجريها الطيور والحشرات أثناء طيرانها وصدق الله العظيم القائل “هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (11) ” لقمان.

اظهر المزيد

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى