أفلام وافلام / مصطفى وهبي التل

أفلام وافلام

في الولايات المتحدة الامريكية عندما يحقق فيلم ما نجاحا ودخلا ممتازا, تقوم هوليوُد بانتاج اجزاء جديدة له ويصبح للفيلم سلسلة. على سبيل المثال, هناك سلسلة افلام (حرب النجوم) والتي حققت اكثر من 8 مليار دولار على مر السنوات, اما سلسلة افلام (مارفيل) فقد تجاوز دخلها ال 15 مليار. نفس المعادلة تتكرر في الهند من خلال بوليوُد مثل سلسلة افلام (باهوبالي) التي حققت قريب النصف مليار دولار من الدخل و سلسلة افلام (دهووم) والتي حققت اكثر من 120 مليون دولار دخلاً لمنتجها, وهذه ارقام قياسية في الهند.
هنا في الأردن لدينا (الكرسي وُد) لانتاج الافلام. طبعا (الكرسي وُد) لا تستطيع ان تجاري هوليود او بوليوُد لكن مثلهما أنتجت (الكرسي وُد) سلسلة افلام ايضا ساهمت في إثراء البعض بمبالغ فاقت ارباح بعض سلاسل هوليوُد وبوليوُد. من هذه الافلام فيلم (تغيير الحكومة) والذي تم انتاج 12 فيلما من السلسلة خلال العشرين عاما الماضيين. او فيلم (ازقط فاسد) والذي تم انتاج 4 افلام روائية طويلة من السلسلة وعدة افلام قصيرة ايضا ضمن نفس الفترة الزمنية تقريبا.
رغم الاختلافات الشاسعة بين افلام هوليوُد وافلام بوليوُد وافلام (الكرسي وُد) من حيث المستوى والمهنية والامكانيات والابطال والانتشار العالمي, الا ان هناك عاملا مشتركاً بينهم الا وهو ان هناك شركات او اشخاص في النهاية يكسبون مبالغ طائلة من وراء هذه الافلام. من هنا يستمر انتاج هذه الافلام لانها تحقق الغاية المطلوبة منها حتى لو رفض بعضها النقاد أو عزف الجمهور عنها واعتبروها افلام فاشلة. المهم في النهاية ان هناك من يجني المال بطريقة, أو بأخرى من وراء, هذه الافلام, ولا يهم ان كانت على مستوى جيد او لا.
بصراحة وبالرغم من أنها تحقق المطلوب إلا ان سلسلة افلام (تغير الحكومة) سيئة اخراجياً وفنياً. وتكرارها اصبح ظاهرة متعبة للمشاهدين الذين عزفوا عنها. خاصة وان حبكتها وقصتها تكررت اكثر من مرة. هذا لا يعني ان كلها عانت نفس المشاكل. بل ان بعضها توقع النقاد والجمهور منها الكثير مثل فيلم (تغيير الحكومة) الجزء العاشر من بطولة عبد الله النسور او النسخة الثانية عشرة بطولة عمر الرزاز. لكن وللاسف، كانت النتيجة النهائية مخيبة للجمهور والنقاد وممتازة للمنتج الذي حقق الغايات منها. أما الفيلم الوحيد من السلسلة الذي يتذكره الجمهور والنقاد بعاطفة هو الجزء التاسع بطولة عون الخصاونة.
لعل احدى المشاكل الرئيسية في سلسلة افلام (تغيير الحكومة) هو استخدام نفس المخرج لكل افلام السلسلة. بالتالي فرض المخرج رؤيته الفنية على السلسلة من البداية. هذا واذا قارنا هذه السلسة مع افلام السلاسل في هوليود فنجد انه في هوليود يتم الاستعانة باكثر من مخرج فيكون للافلام نظرة جديدة وآنية كل مرة. من المشاكل التي تسببت أيضاً بنفور الجمهور والنقاد من افلام (تغيير الحكومة) تكرار النجوم فيها لدرجة الملل. صحيح ان دور البطولة في الغالب لا يتكرر (الا في حالات قليلة) الا ان نجوم الصف الاول والثاني في معظم السلسلة هم نفسهم مع تغييرات بسيطة في ادوارهم. طبعا هذا ايضاً مرتبط بالمخرج الذي يصر هو وفريقه على نفس النجوم الذين ينفذون اوامره دون اي اعتراض. حتى في الحالات القليلة التي ظهر في سلسلة افلام (تغير الحكومة) وجوه جديدة الا انها كانت اقرب إلى رؤية المخرج الفنية من رغبة الجمهور بالتالي ساهمت في حالة الملل من هذه الافلام والعزوف عنها.
لم تعاني سلسلة افلام (ازقط فاسد) من عزوف الجمهور عنها او الملل بنفس مستوى الملل والعزوف مع سلسلة افلام (تغيير الحكومة) هذا بالرغم من كون المخرج واحد في كلتا الحالتين. احد الاسباب طبعا هو الفترات الزمنية الطويلة بين كل فيلم في السلسة (4 افلام خلال العشرين سنة الماضية مقارنة ب 12 فيلم من افلام (تغيير الحكومة)). أضف إلى ذلك عنصر التشويق بالنسبة للبطولة والنجوم المشاركين في افلام (ازقط فاسد) مقارنة بافلام (تغيير الحكومة) والتي حفظ الجمهور نجومها ويعرف بالعادة من سيشارك بالفيلم قبل انتاجه.
هذا لا يعني ان سلسلة افلام (ازقط فاسد) لا تعاني فنيا. خاصة ان المعالجة الفنية للنص واحدة لكل افلام السلسلة مع تغيير في اداور البطولة فقط. سيناريوهات افلام (ازقط فاسد) الاربعة تقريبا نسخ من بعضها البعض: البداية تحرك الشارع بقوة ومطالبته بمحاربة الفساد ومحاكمة الفاسدين. يلى ذلك لقطات لجهود الدولة الخيالية والبطولية لمحاربة الفاسدين مع تضخيم وتلميع اسماء بعض الفاسدين لدرجة الشيطنة. ثم مشاهد الذروة عند القبض على الفاسدين ولقطات لهم مذلة واخبار تمس حياتهم الخاصة في محاولة واضحة لشيطنتهم ولخلق حالة الاعجاب بالبطل الاوحد الذي لولا جهوده لما تمكنت الحكومة من (زقط) فاسد واحد. وفي الافلام الاربعة طبعا تظهر تسريبات الشارع (المحسوبة والمعدة بدقة) ويصبح الفاسد بطل الفيلم هو الشرير الاول وهو من خرب بيت البلد لوحده وبجهوده. ثم يترك العنان للجمهور لتخيل من هم اعوانه واصدقائه طبعاً دون المساس بالفساد الحقيقي ولا برؤوس الفساد الذين نهبوا البلد وسرقوا مستقبلها. أخيراً نصل لمشاهد محاكمة الفاسد (المزقوط) والتي حفظ الجمهور سيرها عن غيب. مرافعات غريبة وعجيبة وقتل بعض الشخصيات التي انتهى دورها او التي حاولت ان تلعب خارج الاطار المسموح به وفي النهاية كم مليون (فراطة), بالكاد تغطي تكلفة غلاف مجلة او مجلتين, تعود للدولة ويسجن الفاسد بالاتفاق المسبق في سجن خمس نجوم مع احتفاظه بمعظم امواله (لأن غالبيتها اصلا غير موجودة في البلد). ولا ننسى طبعاً مشاهد الاعلام في اللقطات النهائية وهو مترنح بنشوة بطولات البطل الاوحد مقاتل الفساد والانجازات الوهمية.
أخيراً يبقى أن نقول أن أفلام السلسة في هوليوُد وفي بوليوُد وفي (الكرسي وُد) لديها عاملين مشتركين. الاول تحصيل المال, بطريقة او أخرى, وبشكل خرافي. اما العامل المشترك الثاني فهو ان غالبية افلام السلاسل تكون مبنية على قصص خيال علمي او تشويق وبعيدة عن الواقع والحقيقة. اي في النهاية ليست سوى عبارة عن ضحك على الذقون والهاء للمشاهدين.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى