فتح الحضانات.. من سيتحمل الكلف الإضافية؟ شروق جعفر طومار

فتح الحضانات.. من سيتحمل الكلف الإضافية؟
شروق جعفر طومار

في خطوة لإعادة عجلة الحياة إلى الدوران، أصدرت الحكومة مؤخرا قرارا بإعادة فتح الحضانات ضمن قائمة من القطاعات التي سيسمح لها بالعمل مجددا في المرحلة الحالية.
القرار، رغم عدم شموليته كونه لا يوفر حلا سوى لفئة العاملات ممن لا تتجاوز أعمار أطفالهن الرابعة فقط، قوبل بالترحيب من قبل أوساط متعددة، لا سيما وأن حجم المطالبة بإعادة فتح هذا القطاع بالذات كان كبيرا جدا خصوصا مع عودة عديد القطاعات للعمل في وقت سابق وما رتبه ذلك من صعوبات كبيرة على الأمهات العاملات بتدبر أمور أطفالهن.
لكن المفاجأة غير السارة كانت بالاشتراطات الصارمة التي وضعتها الحكومة لإعادة فتح الحضانات، والتي وإن كان هناك شبه إجماع على أهميتها لحماية صحة الأطفال والعاملين ومنع انتشار الوباء، إلا أنها شروط معقدة وذات كلف عالية جدا تفوق قدرة منشآت هذا القطاع الصغيرة، ما يثير مخاوف عدة باتجاه عدم تمكن هذه المنشآت من تلبية الشروط، أو الالتزام بالشروط وتحميل كلفها لأولياء الأمور عن طريق زيادة الرسوم، وفي الحالتين سيكون لذلك انعكاسات سلبية على مختلف الأطراف.
تتطلب الشروط عدة إجراءات قبل فتح الحضانات، وتشترط العمل بنصف الطاقة الاستيعابية، وهذا يعني تخفيض عدد العاملات إلى النصف، وبالتالي تسريح عدد من العاملات فيها في الوقت الذي تشح فيه فرص العمل ويعاني فيه الجميع من تراجع الأحوال المادية وصعوبة التخلي عن الدخل أيا كان حجمه.
في الوقت ذاته، فإن انخفاض إيراد الحضانات نتيجة العمل بنصف طاقتها الاستيعابية لن يعوضه خفض عدد العاملات، إضافة إلى وجود كلف جديدة عالية جدا ناشئة عن اشتراط إجراء فحوص كورونا للعاملات والأطفال أسبوعيا، والذي تبلغ كلفته 55 دينارا للفحص الواحد، والتعقيم المستمر، وارتداء العاملات جميعهن للزي الواقي المستخدم لمرة واحدة والكمامات والقفازات وغيرها من الشروط.
كل هذه الكلف لن تتمكن الحضانات من تحملها في ظل علمنا بمحدودية هامش الربح لغالبية الحضانات التي تتقاضى رسوما ضمن المستوى المتوسط المتعارف عليه، وبالتالي فإنها قد لا تجد أمامها خيارا سوى زيادة رسوم التسجيل لتغطية الكلف الجديدة، وهو ما لن تتمكن عاملات كثر من تحمله في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة جراء تبعات أزمة كورونا واقتطاع نسب مختلفة من رواتب العاملات في مختلف القطاعات.
سيضع ذلك العائلات أمام خيارين أحلاهما مرّ؛ سوف يضطر العديد من الأمهات العاملات إلى ترك وظائفهن حيث لن تعود رواتبهن مجدية مقابل تكاليف الالتحاق بالعمل، وهو ما يتعارض مع جميع التوجهات الرامية لزيادة نسب مشاركة المرأة الاقتصادية في المملكة، والتي تعتبر من النسب الأقل في العالم، وسيؤدي ذلك إلى انزلاق هذه الأسر من طبقاتها الاجتماعية إلى طبقات أدنى، وهو ما يتعارض أيضا مع جهود وإستراتيجيات مكافحة الفقر.
أما العائلات التي لن تتمكن من الاستغناء عن دخل أحد الأبوين فيها فإنها قد تلجأ لملاذ آخر لأبنائها في الحضانات المنزلية غير الرسمية بحثا عن كلف أقل، ولو كان ذلك على حساب الصحة والسلامة، ما يشكل تراجعا في منظومة حماية الطفل وضربا للجهود الساعية لتطويرها وتعزيزها.
يحتاج هذا القطاع، إذًا، لخطة دعم سريعة منعا للخسائر الفادحة التي من الممكن أن تترتب على تركه في مواجهة التحديات الجديدة دون أي دعم، وفي الوقت ذاته تحتاج منظومة حماية الطفل وجهود تمكين المرأة اقتصاديا إلى إعادة تقييم، فقد كشفت هذه الأزمة هشاشتها وضعف قدرتها على أداء دورها المنشود، وكشفت أيضا التقصير في تطبيق جزئيات مهمة مما نصت عليه قوانينُنا التي لو كان هناك التزام بتطبيقها لشكّل ذلك حمايةً من كل ما نواجهه اليوم، وفي ذلك حديث طويل سيكون موضوعَ المقال التالي.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى